مذكرة كبار موظفي الحكومة العرب
إلى الحكومة البريطانية
1936
يا صاحب الفخامة،
نحن أصحاب التواقيع*، موظفي العرب من الدرجة الأولى في الخدمة نشعر بأن الواجب يحتم علينا أن نعرض الأمور الآتية على فخامتكم:
واجب العربي كموظف
1- بالإضافة إلى واجباتنا العامة كموظفي حكومة يقع على عاتقنا واجب خاص بصفة كوننا موظفين عرباً، هو أن نكون صلة الوصل بين السلطة والشعب العربي الذي نتصل به بطبيعة الحال اتصالاً وثيقاً، وأن نوضح للشعب أعمال الحكومة على حقيقتها، وأن نبين للحكومة شعور الشعب العربي واحتياجاته.
لقد كنا ندرك دائماً أن هذه الناحية من واجباتنا هي ناحية أساسية لا سيما لفقدان الهيئات التمثيلية في البلاد. وقد كنا وما زلنا عند ذلك الاعتبار نفسه، ولهذا نتقدم في كثير من الاحترام بعرض ما يلي:
الشعب العربي مظلوم
2- إن السبب الحقيقي للتذمر الحاضر هو أن الشعب العربي بكامل طبقاته وطوائفه يشعر شعوراً عميقاً بأنه مظلوم، وبأنه لم يلتفت في الماضي الالتفات الكافي إلى شكاويه المشروعة رغم ما جرى فيها من تحقيقات محققين رسميين نزيهيم من أصحاب الخبرة فأقروا بصحتها إلى حد كبير ونتج عن ذلك أن تولدت في العرب حالة أشبه باليأس، وليست حالة القلق الحاضرة في الواقع سوى تعبير عن ذلك اليأس.
العرب يفقدون ثقتهم بالوعود
3- لا بد لنا من تقرير الواقع وهو أن شعور اليأس هذا يرجع سببه الأكبر فقدان ثقة العرب بقيمة الوعود والتأكيدات الرسمية التي قطعت لهم، وإلى ما أصابهم من ذعر حقيقي بسبب إذعان حكومة جلالته للضغط الصهيوني من حين لآخر. والحق أن ثقتهم قد تزعزعت بشدة سنة 1931 حينما أصدر رئيس الوزراءة البريطانية كتابه إلى الدكتور وايزمن تفسيراً "للكتاب الأبيض" الصادر سنة 1930، وحديثاً عندما هوجم مشروعا المجلس التشريعي وتحديد بيع الأراضي مهاجمة عنيفة في البرلمان البريطاني، مما حول عدم ثقتهم إلى يأس، وإنا لنخدع الحكومة وتؤذى ضمائرنا إن أخفينا اعتقادنا بأن ما يشعر به العرب من تذمر هو شعور صادق له ما يبرره.
ارتياب الشعب في إخلاص الحكومة
4- لقد حاولنا منذ حدثت الاضطرابات الحالية، كل منا ضمن دائرة عمله، بأن نستعمل نفوذنا لنرجع الأمور إلى حالها الطبيعي لا سيما بعد أن أعلن أن حكومة جلالته قد عزمت على إيفاد لجنة ملكية. ولقد تحملنا كثيراً من المشاق في سبيل إقناع الشعب بأن رجوع الأمور إلى حالها الطبيعي هو شرط لتعييم اللجنة الملكية، ولكن جهودنا كلها ضاعت سدى. وكنا نواجه في كل مكان ارتياباً في إخلاص الحكومة فيما عرضت حتى لم نظفر في مساعينا لإعادة السلام بشيء سوى مقت الشعب وسوء ظنه. ولذلك فقد أصبح مستحيلاً علينا أن نؤدي واجبنا النافع كوسطاء بين السلطة والشعب العربي.
لا يمكن قتل الشعور بالقوة
5- عندما نتأمل عمق وسعة الشعور الذي تجيش به نفوس العرب اليوم يتبين لنا أن الحكومة على مكا يظهر لا تدرك إدراكاً تاماً كل العوامل الداخلية التي ولدت الحالة الحاضرة. وحجتنا على هذا الذي قد يزعم أنه وهم هي أننا أشد اتصالاً بحقيقة آراء الشعب من غيرنا حتى أقرب مستشاري فخامتك إليك. ونحن نعتقد بصورة خاصة أن ناحية أساسية من نواحي هذا التذمر قد تغاضت عنها الحكومة، ذلك هو الإدراك بأنه لا يمكن قتل الشعور بالقوة. لا شك أن لدى الحكومة من شتى الوسائل ما يمكنها من إخماد حركة التمرد الحالي على مدام الأيام. ولكن الشعور سيظل، ويظل دائماً، مصدر اضطراب وقلق. وإذن فستفشل القوة حتماً في إخماد الشعور، والسبيل الوحيد إلى إزالته هو إزالة العوامل التي ولدته. ولكن لم يقم دليل واحد بعد على أن الحكومة قد أدركت هذا الاتجاه القويم.
تعيين اللجنة الملكية لا يزيل القلق
6- حقاً إن الحكومة قد أعلنت بأن لجنة ملكية ستعين للتحقيق في المظالم ووضع التواصي بيد أنها لا تعنى الآن بالسياسة العليا وإنما تعنى بالحالة الراهنة التي تزهق فيها أرواح وتتلف أموال كل يوم. فإعلان اللجنة الملكية لم يزل القلق وذلك على التحقيق لفقدان الثقة كما أشرنا سابقاً. وإذن فالذي نطلب الآن هو القيام بعمل يعيد إلى نفوس العرب الثقة التي فقدوها وينهي المأزق الحاضر.
الهجرة أساس المأزق الحالي
7- إن المأزق في وضعه الحالي يرجع إلى الهجرة. وبكلمه أخرى إن الاختيار بين العودة حالاً إلى الحالات الطبيعية وبين استمرار الاضطرابات وسفك الدماء استمراراً دائمياً لا يعتمد على سياسة ما أو مبدأ ما، وإنما يعتمد اعتماداً تاماً على ما يتخذ من تدابير آنية يعني البت في أمر الهجرة، أو توقف أم لا.
ولعلنا لا نكون مسرفين إذا أشرنا إلى أن أولى المسائل التي ستواجه عند التحقيقات المقترحة هي مسألة الهجرة.
يضاف إلى ما تقدم أن هنالك سوابق هامة لمثل هذا الإيقاف المطلوب وذلك أن الهجرة قد وقفت قبل التحقيق في اضطرابات 1929 وفي اضطرابات 1933، ولم تقف الهجرة فحسب وإنما سحبت أيضاً شهادات الهجرة التي كانت أصدرت قبلها.
وقف الهجرة حل عادل وشريف
8- ولسنا نتردد الآن بعد ما أجرينا من بحث عميق مريح للضمير في أن نوصي بإيقاف الهجرة باعتباره الحل الوحيد العادل الشريف للخروج من المأزق الحاضر.
الحكومة هي المسؤولة
9- نعلم أنه قد يحتج بأن هيبة الحكومة في خطر، وأنه لا يمكن أن تذعن للعنف دون أن تخسر هيبتها، وقد كنا نعضد هذه الحجة لو أنا لا نعتقد أن الحكومة نفسها تعتبر مسؤولة إلى حد ما عن هذه النفسية التي أنتجت العنف.
إنا لنعتقد بداهة أن النظام والسلطان أساس كل حكومة فاضلة. ولكن السلطان يعنى بتأمين العدل للجميع وحينما لا يجري العدل أو تتزعزع الثقة ينهار السلطان، ويكون من الخطل في إدراك حقيقة الهيبة أن يتوهم إمكان إعادتها بالقوة.
وفي حالة إيقاف الهجرة تكون الحكومة قد ربحت بكونها أوجدت حلاً موفقاً فضلاً عن أن هيبتها وسلطانها لا يخسران شيئاً.
نتكلم بوحي ضمائرنا
10- وإنا لنثق أن فخامتكم لا تسيئون فهم العوامل التي أهابت بنا إلى تقديم هذه المذكرة فهي عوامل من وحي ضمائرنا قبل كل شيء. ففي هذه الأسابيع المؤلمة إذا كان أبناء وطننا وربما أقاربنا أيضاً يفقدون حياتهم يوماً فيوماً، كنا نبذل كل جهد في تذكر واجباتنا كموظفين ونشعر أن ضمائرنا توحي إلينا أن نحتج على سياسة العنف التي تسلكها الحكومة بالرغم من وجود وسائل شريفة تؤدي فوراً إلى إنهاء هذا الشقاق وما يتولد عنه من سفك دماء وآلام تزداد يوماً بعد يوم.
الحالة خطرة
11- نقدم هذه المذكرة في نسخ أربع، كي ترفع حالاً إلى وزير المستعمرات. وبالنظر إلى خطورة الحالة ومركزنا الحرج، نرجو أن تبرقوا فخامتكم بمحتوياتها إلى الوزير. وأن تتكرموا بتبليغنا الجواب بأسرع ما يمكن.
* للاطلاع على قائمة الموقّعين، أنظر النص الإنكليزي الأصلي من المذكّرة.
المصدر: "وثائق المقاومة الفلسطينية العربية ضد الاحتلال البريطاني والصهيونية (1918-1939)" سلسلة الوثائق العامة -1، جمع وتصنيف عبد الوهاب الكيالي، (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1968)، ص 418-422.