وثيقة "إعـلان فلسطين فـي لبنان"
قدمها شريف مشعل (عباس زكي)
ممثل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لدى الجمهورية اللبنانية
[قدّم الوثيقة عباس زكي خلال المهرجان الذي أقيم في بيروت للاحتفاء بالذكرى الثالثة والأربعين لانطلاقة حركة "فتح"]
بيروت، 7 كانون الثاني/ يناير 2008
مقدمة:
في أثر نكبة فلسطين عام 1948، لجأ قسراً إلى لبنان حوالي مئة ألف فلسطيني شهدت حياتهم سلسلة متصلة من الصعوبات بفعل النزوح الثاني عام 1967 عن الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم جراء اجتماع معظم المقاومة الفلسطينية على أرض لبنان في غضون بضع سنوات: من اتفاق القاهرة 1969 الذي شرَّع قواعد التمركز والانطلاق في جنوب لبنان، إلى حرب تشرين 1973 التي أفضت إلى إقفال جميع الجبهات العربية مع اسرائيل باستثناء الجبهة اللبنانية، وما بين هذين التاريخين ما وقع من أحداث دامية في الأردن 1970 – 1971.
لا فائدة الآن من استعادة السجال السياسي الذي حكم تلك الفترات، ولكن الإنصاف يقتضي القول إن الوجود الفلسطيني في لبنان، بحجمه البشري والسياسي والعسكري، قد أثقل كثيراً على هذا البلد الشقيق ورتـَّب عليه أعباءً فوق طاقته واحتماله، وبالتأكيد فوق نصيبه المعلوم من واجب المساهمة في نصرة القضية الفلسطينية (دولة مساندة)، الأمر الذي أصاب دولته واقتصاده واجتماعه الإنساني وصيغة عيشه إصابات بالغة ما عادت خافية على أحد. كذلك من الإنصاف القول إن التورُّط الفلسطيني في لبنان، على نحو ما شهدنا، وبخاصة في أثناء حروب 1975 – 1982، إنما كان في مجمله قسرياً بفعل ظروف داخلية وخارجية أشبه ما تكون بالظروف القاهرة.
لا نقول هذا تنصلاً، ولا من قبيل نسبة ما جرى إلى "المؤامرة"، بل رفقاً بالضحيتين، وفتحاً لباب المراجعة، ومساعدةً لأنفسنا جميعاً على تنقية الذاكرة، وأياً ما كان الأمر، فإننا من جانبنا نبادر إلى الاعتذار عن أي ضرر ألحقناه بلبنان العزيز، بوعي أو من غير وعي. وهذا الاعتذار غير مشروط باعتذار مقابل.
في المجال الإنساني، ظلت أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان متردّية على الدوام، حتى في عقد السبعينيات حيث بلغ الفلسطيني أقصى درجات انتعاشه واستقوائه بالمقاومة. فقد تخلت الدولة اللبنانية منذ البداية مسؤوليتها عن رعاية اللاجئين، وأوكلت هذا الأمر برمته إلى وكالة "الأنروا" التي قـَصَرت مهمتها على الحد الأدنى من "الغوث" من دون "تشغيل" وإنتاج، مع تناقص ميزانيتها وتقديماتها على نحو مستمر، على الرغم من التزايد الطبيعي لاحتياجات اللاجئين. وقد تفاقم الغبن بما سنـََّته الدولة اللبنانية من قوانين مجحفة بحق اللاجئين، تتعلق بالإقامة والتملك والتنقل والعمل، متذرعة بقاعدة "المعاملة بالمثل" بين الدول، وهذه قضية لا تزال عالقة وتحتاج إلى معالجة سريعة، بصرف النظر عن أي بُعد سياسي أو أمني..
شهدت أواخر الثمانينيات توافر عوامل ذاتية ودولية ساعدت القيادة اللبنانية والفلسطينية على إنضاج خيارات تاريخية كبرى لمصلحة الشعبين. فقد تمكن اللبنانيون من وضع حد للحرب الداخلية بإقرارهم "وثيقة الوفاق الوطني" في الطائف 1989، فيما كان الفلسطينيون ينقلون مركز نضالهم الوطني إلى الأرض المحتلة، من خلال الانتفاضة الشعبية عام 1987 في فلسطين، ثم قرار المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 بتبنـّي خيار الدولتين، وما أعقب ذلك من قيام السلطة الوطنية الفلسطينية على أرضها بموجب اتفاقات أوسلو 1993، وبذلك أكد الجانب الفلسطيني عملياً أنه ما عاد يفكر، لا اختياراً ولا اضطراراً، في أي مشروع سياسي أو أمني في لبنان أو انطلاقاً منه.
كان مأمولاً أن يشكل هذا التحول الكبير فرصة تاريخية لتصحيح العلاقات اللبنانية الفلسطينية اعتباراً من العام 1990، بما يليق بتضحيات الشعبين وكرامة كل منهما، وبقيادة الشرعيتين: الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية، بيد أن ظروفاً وتطورات حالت دون ذلك؛ إذ بقيت منظمة التحرير مقصيَّة ً عن شؤون الفلسطينيين في لبنان، وتحول الشأن الفلسطيني إلى ملف أمني الأمر الذي راكم تعقيدات وفاقم مشكلات كان من نتائجها المأساوية أحداث مخيم نهر البارد الأخيرة، وهنا لا بد من الاشارة إلى نجاح الموقف الفلسطيني في هذا الاختبار الصعب لجهة الصدقية وحسن النيات تجاه الدولة اللبنانية.
إن منظمة التحرير الفلسطينية تنظر بأمل كبير إلى استئناف العلاقات الرسمية مع الدولة اللبنانية بعد 15 أيار 2006، كما تشهد على الاستعدادات الطيبة التي أظهرتها الحكومة اللبنانية مؤخراً في غير مناسبة. وهذا ما يجعل جميع المشكلات العالقة قابلة للمعالجة السليمة.
استناداً إلى ما تقدم نعلن ما يلي:
أولاً: إننا ندعو أنفسنا وإخوتنا اللبنانيين بلا استثناء إلى تجاوز الماضي بأخطائه وخطاياه، والانفتاح الصادق على مصالحة في العمق تليق بأصالة شعبينا. كما نشعر بامتنان عظيم للشعب اللبناني الشقيق على ما قدم من تضحيات جسام لقضيتنا الفلسطينية على مدى عقود، بالأصالة عن نفسه دائماً، وبالنيابة عن جميع العرب في كثير من الأحيان.
ثانياً: نعلن التزامنا الكامل، بلا تحفظ، سيادة لبنان واستقلاله، في ظل الشرعية اللبنانية بجميع مكوناتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومن دون أي تدخل في شؤونه الداخلية.
ثالثاً: نعلن تمسكنا بحقنا في العودة إلى وطننا فلسطين، رافضين بحزم وثبات جميع أشكال التوطين والتهجير. وإلى أن نعود من حقنا أن نعيش بكرامة.
رابعاً: نعلن أن السلاح الفلسطيني في لبنان، ينبغي أن يخضع لسيادة الدولة اللبنانية وقوانينها، وفقاً لمقتضيات الأمن الوطني اللبناني الذي تعرّفه وترعاه السلطات الشرعية. وفي هذا السبيل نعلن استعدادنا الكامل والفوري للتفاهم مع الحكومة اللبنانية، على قاعدة أن أمن الإنسان الفلسطيني في لبنان هو جزء من أمن المواطن اللبناني. في هذا السياق جاء الموقف الفلسطيني من نتائج مؤتمر الحوار اللبناني برهاناً أكيداً على قولنا وصدق النيات.
خامساً: نعلن تمسكنا بحقوقنا الأساسية، كلاجئين مقيمين قسراً ومؤقتاً في لبنان، وكجزء من شعب فلسطيني يكافح من أجل حريته واستقلاله على أرضه، إن حقوقنا هذه غير مشروطة بقضية السلاح، ولا نفكر في أي معالجة بأسلوب المبادلة.
سادساً: نعلن تمسكنا بحقنا في مواصلة النضال السلمي الديمقراطي على جميع المستويات، وضمن القوانين اللبنانية المرعية الإجراء، كما إن نضالنا يتطلب دعماً من جميع القوى والعائلات الروحية في لبنان من دون انحيازات او اصطفاف لأن فلسطين على مسافة واحدة من الجميع. والمعيار الرئيس هنا هو الموقف من قضية فلسطين.
سابعاً: إن الحل الجذري والآمن لمشكلتنا في لبنان مرتبط بانتصار قضيتنا في فلسطين وفقاً لما قرره شعبنا من خلال ممثله الشرعي والوحيد، منظمة التحرير، وما عاد يساورنا أي شك في أن استقرار لبنان يشكل دعماً أساسياً لقضيتنا، كما أن خلاص شعبنا يزيح عن كاهل إخواننا اللبنانيين عبئاً ثقيلاً، لذلك نحن حقاً شركاء في مشروع السلام العربي الذي سيؤدي، بإذن الله وتضامننا، إلى الحل المنشود الدائم والعادل.
نتوجه بهذا الإعلان إلى الدولة اللبنانية والشعب اللبناني بجميع عائلاته الروحية واتجاهاته السياسية آملين حواراً صريحاً وفي العمق من شأنه ارساء العلاقات الفلسطينية – اللبنانية ولا سيما بين الشرعيتين: الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية – "دولة فلسطين" – على أسس متينة وعادلة وقانونية.
المصدر: موقع لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني lpdc.gov.lb