إضاءة على –

الحركة الوطنية الفلسطينية والمسألة اليهودية (I)

إضاءة على –
الحركة الوطنية الفلسطينية والمسألة اليهودية (I)

Meeting of Jerusalem Mayor Mustafa al-Khalidi, Haifa Mayor Shabti Levy, Tel Aviv Mayor Israel Rokach

High Commissioner Harold MacMichael with Palestinian Mayors. From left - Israel Rokach (Tel Aviv), Mustafa al-Khalidi (Jerusalem), MacMichael, Omar Effendi al Bitar (Jaffa), Shabtai Levy (Haifa).

1 شباط 1942
Source: 
Wikimedia

اتخذت الحركة الوطنية الفلسطينية عند نشوئها، في أعقاب الحرب العالمية الأولى ، شكل جمعيات إسلامية - مسيحية، ارتبطت بالحركة القومية العربية الجامعة التي جعلت من دمشق مركزاً لها، والتي جسّدت طموح العرب في المشرق العربي إلى التحرر والتوحد في إطار دولة واحدة. بيد أن الوعي القومي العربي في فلسطين صار يتطبع بطابع خاص نتيجة تنامي الشعور بمخاطر الهجرة والاستيطان اليهوديين، وخصوصاً بعد وصول "الموجة الثانية" من الهجرة اليهودية إلى فلسطين، في إثر تصاعد مشاعر "العداء للسامية" في روسيا . ومقارنة بسابقتها، تميّزت موجة الهجرة الثانية بالحملات التي نظّمها أعضاؤها لطرد العمال والفلاحين العرب من المستوطنات اليهودية ومقاطعة المنتوجات العربية، وذلك خلف شعارَي " احتلال الأرض" و"العمل العبري".

وقد تعمق هذا الوعي بالخطر الصهيوني نتيجة التجزئة التي فُرضت على المشرق العربي، وتوزّع الحركة القومية العربية الجامعة على حركات وطنية إقليمية. ففي مؤتمر سان ريمو ، الذي عُقد في نيسان/ أبريل 1920، قرر الحلفاء وضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، وفلسطين والعراق تحت الانتداب البريطاني. وفي 25 تموز/ يوليو من السنة نفسها، دخلت القوات الفرنسية دمشق بعد هزيمة الجيش العربي في معركة ميسلون وإسقاط حكومة الملك فيصل .

الموقف من مستقبل الوجود اليهودي في فلسطين

بقيت الحركة الوطنية الفلسطينية، طوال عهد الانتداب البريطاني، ترفض بحزم التداعيات التي نجمت عن وعد بلفور ، وتدعو إلى وقف هجرة اليهود إلى فلسطين وانتقال الأراضي العربية إليهم، بينما ظلت مواقفها ملتبسة إزاء مستقبل اليهود الذين نجحت الحركة الصهيونية ، بالتواطؤ مع سلطات الانتداب، في تهجيرهم إلى فلسطين وضمان استقرارهم فيها.

وكان المؤتمر السوري العام ، الذي جعل دمشق مقراً له وشارك فيه عدد من الممثلين الفلسطينيين، قد وجّه في مطلع تموز 1919، رسالة إلى لجنة كينغ - كرين الأميركية بشأن مستقبل سوريا، أكد فيها رفض الهجرة اليهودية ومطالب الصهيونيين بأن تصبح فلسطين "كومونويلثاً يهودياً"، مبدياً استعداده لضمان الحقوق والالتزامات المشتركة مع "إخواننا الموسويين".

وفي أوضاع التجزئة الاستعمارية التي فُرضت على بلاد الشام ، طالب المؤتمر العربي الفلسطيني الثالث، الذي عُقد في مدينة حيفا في كانون الأول/ ديسمبر 1920 وكان إيذاناً بولادة الحركة الوطنية العربية الفلسطينية، بإقامة حكومة وطنية في فلسطين مسؤولة أمام مجلس نيابي، يتمثّل فيه سكان فلسطين بحسب نسبهم، بمن فيهم اليهود الذين كانوا يقيمون بفلسطين قبل الحرب العالمية الأولى، معرباً عن استيائه من الإدارة البريطانية لاعترافها بـاللجنة الصهيونية كهيئة رسمية و"شروعها بتنفيذ المآرب الصهيونية".

وفي 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 1935، قدم زعماء الأحزاب العربية مذكرة إلى المندوب السامي البريطاني تضمنت الدعوة إلى إقامة حكومة ديمقراطية، والوقف الفوري للهجرة اليهودية، وسنّ "تشريع يلزم جميع المقيمين الشرعيين بالحصول على بطاقات الهوية وحملها"، لكن من دون أن تحدد بوضوح ما الذي تعنيه بـ "المقيمين الشرعيين". وفي 23 تموز 1937، طالبت اللجنة العربية العليا التي كانت قد تشكلت في بداية الثورة الفلسطينية الكبرى ، في معرض رفضها مقترح لجنة بيل (Peel) البريطانية الداعي إلى تقسيم فلسطين، بقيام دولة فلسطينية موحدة ومستقلة تضمن "حماية جميع الحقوق المشروعة للسكان اليهود أو غيرهم من الأقليات في فلسطين" وتحفظ "المصالح البريطانية المعقولة".

وبقي هذا الالتباس في الموقف من مستقبل اليهود في فلسطين بارزاً في البيان الذي أصدرته "الهيئة العربية العليا "، في نيسان 1947، والذي دعا إلى حل قضية فلسطين بما يتفق مع "الميثاق العربي القومي "، و"الاعتراف للعرب بحقهم الشرعي في وطنهم واستقلالهم فيه أسوة بسائر البلاد العربية على أساس الديموقراطية وحماية حقوق الأقليات وفقاً لما تعارفت عليه المبادئ الديموقراطية". كما كان بارزاَ في الخطاب الذي ألقاه هنري كتن ، ممثل "الهيئة العربية العليا"، في 9 أيار/ مايو 1947 أمام اللجنة الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ أكد أن معارضة العرب للهجرة وإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين "لا تستند إلى أي تحيز عنصري ضد اليهود كيهود، ولكنها ستكون قوية بنفس القدر بغض النظر عن عرق أو دين أي مجموعة قد تحاول انتزاع البلاد من سكانها العرب أو فرض المهاجرين فيها ضد إرادة العرب"، ودعا فيه إلى الاعتراف "بحق فلسطين في الاستقلال وأن ينعم هذا البلد المعذب بمباركة حكومة ديمقراطية".

وبعد صدور قرار تقسيم فلسطين الدولي رقم 181، في 29 تشرين الثاني 1947، أعلنت "الهيئة العربية العليا" رفضها القاطع له من دون أن تقدم حلاً بديلاً يراعي التغيّرات العميقة التي تولدت عن الحرب العالمية الثانية ، والتي حوّلت المستوطنين اليهود في فلسطين إلى قوة سكانية وسياسية واقتصادية كبيرة، وخلقت أجواء من التعاطف الدولي الواسع معهم، وخصوصاً بعد المذابح الجماعية التي تعرضوا لها على أيدي النازية، معتبرةً أن قرار التقسيم "يعطي اليهود الأجانب جزءاً ثميناً من فلسطين، ويُجلي عدداً كبيراً من العرب عن موطنهم، كما يضع في فلسطين أمة غريبة تهدد الأمن في الشرق باعتدائها على البلاد العربية".

ولم يتصدّ للمسألة اليهودية من جوانبها كافة، قبل وقوع النكبة، إلاّ الشيوعيين العرب في إطار "عصبة التحرر الوطني في فلسطين "، الذين انطلقوا من أن هذه المسألة نجمت عن "نجاح الصهيونية  في تهجير أعداد كبيرة من يهود أوروبا من بلدانهم الأصلية إلى فلسطين، وذلك عقب شروع النازية في تنظيم حملات اضطهاد وحشية ضد هؤلاء اليهود ذهب ضحيتها ملايين منهم"، ورأوا أن من واجب الحركة الوطنية الفلسطينية العمل "على تخليص الشعب اليهودي في فلسطين من سيطرة الصهيونية"، واكتسابه للتعاون مع العرب في النضال من أجل استقلال فلسطين، وذلك من خلال الاعتراف بالسكان اليهود "اعترافاً ملموساً، والإعلان الصريح بأنها ستؤمن لهم حقوقاً ديمقراطية في ظل نظام جمهوري ديمقراطي". وعشية صدور قرار تقسيم فلسطين الدولي، اقترحت "عصبة التحرر الوطني" حلاً متكاملاً لقضية فلسطين، كان ضمن أسسه أن تقوم في فلسطين "حكومة ديمقراطية واحدة، يتساوى فيها جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، على اختلاف أجناسهم وأديانهم ولغاتهم"، وذلك بعد جلاء القوات البريطانية عن أراضيها، وأن "يوضع دستور ديمقراطي ينسجم مع ميثاق هيئة الأمم المتحدة ، فيه ضمانات تحفظ لليهود في فلسطين استقلالهم الثقافي والإداري المحلي"، وأن "تساهم فلسطين بعد استقلالها وانضمامها إلى المنظمة الدولية، بالاشتراك مع جميع دول العالم، في بحث قضية اللاجئين وحلها، على أن تقف الهجرة إلى فلسطين حالياً وفوراً، إلى أن تنتهي منظمة الأمم من بحث قضية اللاجئين واتخاذ القرارات بشأنها".

وبعد صدور القرار 181، في 29 تشرين الثاني 1947، واندلاع الصدامات الدموية بين العرب واليهود، حذرت "عصبة التحرر الوطني" من تداعيات هذه الصدامات السلبية على النضال من أجل الحفاظ على وحدة فلسطين، ثم وافقت أغلبية أعضاء العصبة في المؤتمر الذي عُقد في مدينة الناصرة ، في شباط/ فبراير 1948، على قرار تقسيم فلسطين الدولي، متساوقة بذلك مع الموقف السوفياتي المؤيد لذلك القرار. ومع أن العصبة أعربت عن قناعتها بأن قرار التقسيم لا يقدم الحل الأمثل للقضية الفلسطينية، إلاّ إنها رأت فيه خطوة مهمة على طريق جلاء الجيوش البريطانية عن فلسطين وإلغاء الانتداب.

قراءات مختارة: 

توما، إميل. "حل قضيتنا الوطنية يتوقف على موقفنا من الشعب اليهودي في فلسطين. "الاتحاد" ( 8 تموز 1945)، ص 1.

حوراني، فيصل. "جذور الرفض الفلسطيني 1918-1948". نيقوسيا: شرق برس، 1990 .

خلة، كامل محمود. "فلسطين والانتداب البريطاني 1922-1939". بيروت: مركز الأبحاث، منظمة التحرير الفلسطينية، 1974 .

"موقفنا من المرحلة الخطيرة التي نجابهها". "الغد"، 23 أيار 1947، ص 3-4 و ص 24 .

الهيئة العربية العليا لفلسطين. "قضية فلسطين العربية" [1947].

الهيئة العربية العليا لفلسطين. "ميثاق الحركة الوطنية الفلسطينية: دعوة عامة إلى التعاون والعمل لإنقاذ الوطن السليب". بيروت: الهيئة العربية العليا لفلسطين، 10 أيلول 1962.

t