سيرة

موسى العلمي

سيرة

موسى العلمي

8 أيار 1897, القدس
8 حزيران 1984, عمّان

والده: فيضي موسى، عُيّن مدير ناحية بيت لحم سنة 1902، ثم انتخب في سنة 1906 رئيساً لبلدية القدس، وبقي في منصبه هذا ثلاثة أعوام، ثم اختير أحد ثلاثة نواب عن متصرفية القدس في مجلس المبعوثان العثماني. والدته: زليخة الأنصاري. شقيقته: نعمتي

ولد موسى العلمي في مدينة القدس في 8 أيار/ مايو 1897. تلقى دروسه الأولية في مدرسة الكولونية الأميركية، ثم انتقل إلى "مدرسة الفرير" في القدس حيث أنهى دراسته الثانوية.

بعد نشوب الحرب العالمية الأولى، انخرط موسى العلمي في الجندية وتنقل ما بين القدس ودمشق وإسطنبول. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، التحق سنة 1919 بجامعة كمبردج في بريطانيا لدراسة القانون حيث بقي فيها أربعة أعوام، انتسب خلالها إلى جمعية "إنر تمپل" (Inner Temple)، إحدى الجمعيات الأربع لتدريب المحامين في لندن، وعاد إلى فلسطين سنة 1924 يحمل شهادة ماجستير في القانون وإجازة ممارسة مهنة المحاماة.

بعد رجوعه إلى فلسطين، عمل موسى العلمي في دائرة النيابة العامة مستشاراً قانونياً مبتدئاً للإدارة البريطانية (1925-1929) في القدس، ثم مساعداً للمحامي الحكومي، أو النائب العام (1929-1932)، وعُيّن في سنة 1933 مستشاراً للشؤون العربية في مكتب المندوب السامي البريطاني آرثر واكهوب (Arthur Wauchope). غير إنه لم يبقَ في هذا المنصب إلاّ سنة واحدة بسبب تعليمات من لندن إلى واكهوب بوجوب تخليه عن العلمي، وذلك جرّاء ضغط صهيوني على الحكومة البريطانية. فعاد العلمي إلى عمله في النيابة العامة حتى سنة 1937 عندما قررت سلطات الانتداب إقالته من منصبه وإبعاده إلى لبنان. وخلال قيامه بمهماته الحكومية، أتيحت له، ما بين سنة 1934 وسنة 1936، فرصة إجراء لقاءات مع بعض زعماء الحركة الصهيونية مثل دافيد بن -غوريون وموشيه شرتوك (شاريت).

ظل موسى العلمي في المنفى متنقلاً ما بين بيروت ودمشق (1937 -1939). وكانت "اللجنة العربية العليا" قد اختارته عضواً في الوفد الفلسطيني إلى مؤتمر لندن الذي عقد في قصر سانت جيمس في شباط /فبراير 1939. ولدى اندلاع الحرب العالمية الثانية في أيلول/سبتمبر من ذلك العام، أبعدته السلطات الفرنسية إلى العراق.

شارك موسى العلمي في صيف سنة 1940، إلى جانب جمال الحسيني، في المباحثات التي جرت في بغداد مع الكولونيل ستيوارت فرنسيس نيوكمب (Stewart Francis Newcombe) ممثل وزير المستعمرات البريطاني اللورد جورج لويد، وذلك بإشراف رئيس الحكومة العراقية نوري السعيد ومشاركة الشيخ يوسف ياسين ممثل الملك السعودي عبد العزيز، والتي تمخضت عن تقديم وعد عربي بمعاضدة بريطانيا في الحرب في مقابل البدء بتنفيذ بعض بنود "الكتاب الأبيض" البريطاني لسنة 1939 (كتاب ماكدونالد)، المتعلقة بتشكيل حكومة في فلسطين يشارك فيها ممثلون من العرب واليهود بنسبة تتوافق مع عدد سكان المجموعتين.  

 بيد أن الحكومة البريطانية تراجعت عن الالتزام الذي قدمه نيوكمب بذريعة أن تلك المباحثات لم يكن لها صفة رسمية.

بعد أن سمحت له السلطات البريطانية بالعودة إلى فلسطين في سنة 1941، صار موسى العلمي يمارس المحاماة في مدينة القدس. وفي سنة 1944، اختارته الأحزاب العربية كي يمثل فلسطين في المؤتمر التحضيري لإنشاء جامعة الدول العربية، الذي عقد في مدينة الإسكندرية ما بين 25 أيلول/ سبتمبر و7 تشرين الثاني/ نوفمبر 1944، فقصد الإسكندرية وذلل الصعاب التي قامت في وجه قبول فلسطين في المؤتمر، ونجح في المشاركة في أعماله وفي الدفاع عن قضية فلسطين، وتقدم بمقترحين إلى المشاركين: الأول يقضي بتأسيس صندوق قومي عربي تشترك فيه جميع الأقطار العربية وتشرف على إدارته، وتكون مهمته إنقاذ أراضي فلسطين الباقية ومنع المنظمات الصهيونية من الاستيلاء عليها، والثاني يدعو إلى إيلاء حقل الإعلام اهتماماً كبيراً لتقديم القضايا العربية، وخصوصاً قضية فلسطين، إلى الرأي العام العالمي بشكل موازٍ للدعاية الصهيونية.

بعد تأسيس جامعة الدول العربية في آذار/مارس 1945 وإقرار ميثاقها، قررت اللجنة الاقتصادية التابعة لها في دورة تموز/يوليو 1945 تبني مقترح موسى العلمي بشأن تأسيس جمعية لإنقاذ أراضي فلسطين، وتم الاتفاق على وضع خطة خمسية تتبرع الدول العربية بموجبها للجمعية بمليون جنيه فلسطيني سنوياً. إلاّ إن العراق كان الدولة الوحيدة التي التزمت فعلاً بهذا القرار، ودفعت مبلغ 150 ألف دينار عراقي خلال سنة 1946 و100 ألف دينار في سنة 1947.

 سارع موسى العلمي، بعد صدور قرار جامعة الدول العربية، إلى تأليف جمعية في مدينة القدس باسم "جمعية المشروع الإنشائي العربي" مركزها مدينة أريحا، وسُجلت في الدوائر المختصة بموجب قانون الجمعيات، وغاياتها الأساسية: إصلاح القرى العربية ورفع مستواها الصحي والاجتماعي؛ تحسين حالة المزارعين العرب الاقتصادية والاجتماعية؛ تحسين الصناعات الزراعية؛ تشجيع التشجير على أنواعه؛ اعتماد النظام التعاوني؛ إنشاء معاهد للتدريب الزراعي والصناعي للأيتام والمعوزين العرب مجاناً.

أثار تأسيس "جمعية المشروع الإنشائي العربي" حفيظة أحمد حلمي عبد الباقي، الذي كان يقف على رأس "لجنة صندوق الأمة" التي تأسست بقصد المحافظة على الأراضي الفلسطينية ومقاومة بيعها لليهود، والذي اقترح أن يتم دمج "صندوق الأمة" و"المشروع الإنشائي العربي" في هيئة واحدة، لكن موسى العلمي لم يوافق على هذا الاقتراح، الأمر الذي تسبب في نشوب خلاف حاد بين الشخصين ترك انعكاسات سلبية كبيرة على نشاطهما لإنقاذ الأراضي العربية من الوقوع في أيدي المنظمات الصهيونية.

بعد موافقة جامعة الدول العربية على مقترح موسى العلمي الثاني الخاص بالنشاط الإعلامي، بادر هذا الأخير إلى تأسيس مكاتب إعلامية عربية في القدس ولندن وواشنطن، واجهتها "الهيئة العربية العليا لفلسطين"، برئاسة محمد أمين الحسيني، بحملة شعواء، أسفرت في نهاية المطاف عن توقف نشاط هذه المكاتب في سنة 1947، وخصوصاً بعد أن قررت الحكومة العراقية التوقف عن تمويلها.

عارض موسى العلمي القرار الذي اتخذته "الهيئة العربية العليا لفلسطين" بمقاطعة أفراد لجنة التحقيق التي أوفدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى فلسطين في حزيران/ يونيو 1947، والتقى في مدينة جنيف بأحد أعضاء هذه اللجنة وقدم له تقريراً عن الأوضاع في فلسطين بعنوان "مستقبل فلسطين"، الأمر الذي زاد في نقمة "الهيئة العربية العليا" عليه.

بعد وقوع نكبة فلسطين، وضم الضفة الغربية لنهر الأردن إلى المملكة الأردنية الهاشمية، أوفد إليه الملك عبد الله مبعوثاُ ليعرض عليه منصباً وزارياً، لكن موسى العلمي اعتذر وأكد أنه قرر اعتزال العمل السياسي.

في سنة 1949، طلب موسى العلمي من الملك عبد الله تخصيص عشرين ألف دونم في وادي الأردن في منطقة أريحا لاستئناف نشاط "المشروع الإنشائي العربي"، وذلك في مقابل خمسين فلساً للدونم الواحد، وجلب العلمي في سنة 1950، بعد أن وافق الملك على طلبه، مئة عائلة من اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية للعمل معه في أرض المشروع. وبعد أقل من ستة أشهر، تفجر الماء في الأرض القاحلة وتم حفر أربعين بئراً والشروع في زراعة الحبوب والخضار والفواكه، وتربية الدواجن والأبقار وصنع الألبان.

في شهر آذار/ مارس 1952، قرر موسى العلمي توسيع مجالات نشاط المشروع، فافتتح "مركز التدريب الزراعي الصناعي" لتعليم الأيتام والمعوزين من اللاجئين. وبعد سنة 1958، نجح موسى العلمي في توسيع مشروعه بفضل المساعدات التي صار يتلقاها من مؤسسات عربية وأجنبية، بما فيها "مؤسسة فورد" الأميركية، وهو ما جعل البعض يثير الشكوك حوله بذريعة أن مشروعه يندرج في إطار مشاريع "توطين اللاجئين".

في حزيران/ يونيو 1967، كان موسى العلمي في رحلة إلى أوروبا من أجل شراء معدات لمشروعه حين وقع العدوان الإسرائيلي، فاقتحمت القوات الإسرائيلية أراضي المشروع وأحدثت فيه خراباً. وفي سنة 1968، فاجأه دافيد بن- غوريون، بصحبة موشيه دايان، بزيارته في مقر إدارة المشروع في أريحا، فأشار إليهما إلى الخراب الذي أحدثته قوات الاحتلال في مزارع المشروع الإنشائي والأشجار والمساكن التي أحرقتها.

بذل موسى العلمي جهوداً كبيرة لإحياء "المشروع الإنشائي العربي" بعد الخراب الذي لحق به، فسافر إلى عدد من دول أوروبا، عارضاً فكرة تحويل المشروع الى جمعية دولية تضم شخصيات من بريطانيا وكندا والسويد. وبعد تمكنه من تأمين بعض المنح والمساعدات وإيصال المعدات، عاد إلى الأرض الفلسطينية المحتلة من أجل إعادة البناء من جديد.

صار موسى العلمي، في آخر مراحل عمره، يتنقل بين الأقطار العربية ويقوم بزيارات إلى الدول الأوروبية، إلى أن أقعده مرض السكري واستفحل به، فنُقل إلى المستشفى العسكري الأردني في عمّان، حيث قرر الأطباء بتر إحدى ساقيه، وفارق الحياة في 8 حزيران/ يونيو 1984، ونقل جثمانه الى مدينة القدس حيث أُقيمت له جنازة حافلة ودفن في مقبرة "باب الساهرة".

موسى العلمي شخصية وطنية فلسطينية بارزة، تميّز بالعلم والإخلاص، وكانت الحكمة التي صار يبشّر بها هي: "إننا لن ننتصر على إسرائيل النصر النهائي حتى ننتصر على أنفسنا". ربطته علاقات صداقة بزعماء عرب وأجانب كثيرين، من أمثال الملك عبد الله والملك حسين في الأردن، والأمير عبد الإله الوصي على عرش العراق ورئيس الحكومة نوري السعيد، ووزير الخارجية البريطاني أرنست بيفن. كما أتيحت له فرص الاحتكاك بزعماء آخرين مثل مصطفى النحاس رئيس الحكومة المصرية، والزعيم السوري شكري القوتلي، والرئيس الأميركي المنتخب حديثاً، قبل تسلمه السلطة، جون كينيدي.

نبذة عن كتاب "عبرة فلسطين" لموسى العلمي

ينطلق موسى العلمي من أن "كارثة" فلسطين القومية لم تكن "أمراً محتوماً"، بل "كان من الممكن اتقاؤها"، لكن العرب لم يحسنوا العمل، "فجاء الفشل والهزيمة بديلين من نصر كان يجب أن نحققه". وهو يحاول في كتابه الرد على جملة من الأسئلة، وهي: "كيف وقعت الكارثة؟ ولماذا سارت الأمور في هذه الطريق؟ ما هي أخطاؤنا؟ وأين مواطن الضعف التي أُتينا من ناحيتها، والثغرات التي دخل العدو علينا منها؟ ثم، ماذا يجب أن نعمل الآن؟ كيف ندفع الخطر الشديد المرتقب، ونسترد الوطن العزيز المغتصب؟"

وبعد أن يشير العلمي إلى أن معركة فلسطين مرت في دورين: كان عبء الدفاع في الأول منهما ملقىً على عاتق الفلسطينيين، بينما ألقي عبء الدفاع في ثانيهما على الجيوش العربية، يخلص إلى أن العرب "لم يحسنوا الدفاع عن فلسطين في كلا الدورين".

من آثاره:

"عبرة فلسطين". بيروت: دار الكشاف، 1949. أعيد إصداره في: قسطنطين زريق، جورج حنا، موسى العلمي، قدري حافظ طوقان (تقديم وليد الخالدي). "نكبة 1948: أسبابها وسبل علاجها". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2009.

 

المصادر:

الحوت، بيان نويهض. "القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين، 1917- 1948". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1981.

دروزة، محمد عزة. "مذكرات محمد عزة دروزة: سجل حافل بمسيرة الحركة العربية والقضية الفلسطينية خلال قرن من الزمن" (خمسة مجلدات). بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1993.

العودات، يعقوب. " أعلام الفكر والأدب في فلسطين". عمّان: د. ن. ، 1976.

قاسمية، خيرية. "المذكرات والسير الذاتية كمصدر لتاريخ فلسطين في القرن العشرين". "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 64 (خريف 2005)، ص 64-78.

مناع، عادل. "أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني، 1800-1918". ط 2. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1995.

"من هو؟: رجالات فلسطين 1945- 1946". ط 2. عمّان: مؤسسة التعاون، 1999.

"الموسوعة الفلسطينية"، القسم العام، المجلد الرابع. دمشق: هيئة الموسوعة الفلسطينية، 1984.

النشاشيبي، ناصر الدين. "آخر العمالقة جاء من القدس: قصة الزعيم الفلسطيني موسى العلمي". د.ن.، 1986.

Abdul Hadi, Mahdi, ed. Palestinian Personalities:  a Biographic Dictionary. 2nd ed., rev. and updated. Jerusalem: Passia Publication, 2006.

“Arab Development Society Collection”. Material held at Middle East Centre Archive, St Antony's College, University of Oxford.

Furlonge, Geoffrey. Palestine is my Country: the Story of Musa Alami. London: John Murray, 1969.