يوسف سامي اليوسف
ولد في سنة 1938 في قرية لوبية في قضاء طبربة. والده سامي. أشقاؤه: محمد، حسن، إبراهيم. شقيقته مريم. ابناه: وليد، مروان.
تلقى يوسف سامي اليوسف تعليمه الأولي، في سنة 1944، في كُتّاب القرية، الذي كان شيخه علي قد توصل إلى اتفاق مع السلطات التعليمية في عهد الانتداب، مؤداه أن من يرفّعهم إلى الصف الثاني ينتقلون إلى مدرسة الحكومة، شريطة أن يكونوا في السنة الثامنة من عمرهم. وفي سنة 1946، التحق بمدرسة الحكومة، التي كانت تضم مزرعة صغيرة يتعلم فيها التلاميذ الزراعة العملية.
اضطر، بعد نكبة فلسطين، إلى الانتقال مع أفراد عائلته، في تشرين الأول/أكتوبر 1948، إلى لبنان، عن طريق سورية، واستقروا في الأول من كانون الأول/ديسمبر من ذلك العام في مدينة بعلبك، وتحديداً في "مخيم ويفل"، الذي كان في الماضي ثكنة عسكرية وصار اسمه في سبعينيات القرن العشرين "مخيم الجليل"، حيث كان جده قد سبقهم إليه. وقد عاش يوسف في هذا المخيم زهاء سبعة أعوام، كانت الأكثر بؤساً وفقراً في حياته.
التحق يوسف سامي اليوسف، في سنة 1949، بالمدرسة التي أنشأها الصليب الأحمر الدولي في مرآب الثكنة، وكانت تضم خمسة صفوف، وكان عليه أن يعيد الصف الثالث الابتدائي الذي لم يكن قد أتمّه في فلسطين. وفي سنة 1950، حلّت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) محل الصليب الأحمر الدولي في الإشراف على تلك المدرسة.
وفي نيسان/أبريل 1950، وقبل انتهاء العام الدراسي، تشاجر مع أحد المعلمين، وهرب من المدرسة وسافر بالقطار إلى مدينة دمشق، حيث أمضى ستة أشهر، عمل خلالها نادلاً في مطعم صغير، وحمّالاً، وبائعاً للجرائد، ومهرباً للبضائع بين سورية ولبنان.
رجع اليوسف إلى بعلبك في تشرين الأول 1950، لكنه لم يعد إلى المدرسة، بل عمل راعياً للبقر في قرية اسمها بوداي، وأخذ معه قاموساً صغيراً للغة الإنكليزية وراح يحفظ مئات الكلمات الإنكليزية. ثم انتقل إلى العمل في زراعة الحبوب في قرية اسمها الطيبة ثم في حقول البصل والبطاطا في مدينة زحلة.
التحق بالمدرسة من جديد في أيلول/سبتمبر 1951، وأُدخل الصف الثالث كي يتمّه، وترفّع إلى الصف الرابع في حزيران/يونيو 1952.
توفي والده، سامي اليوسف، في حزيران/يونيو سنة 1954، وهو في الرابعة والثلاثين من عمره، فحزن عليه كثيراً. وفي أواخر ذلك العام، كتب أول قصيدة شعرية، بتشجيع من مدير مدرسته نايف معروف. وثابر على نظم الشعر زهاء عشرين عاماً، أي حتى سنة 1974.
غادر يوسف سامي اليوسف بعلبك إلى دمشق، في آب/أغسطس 1955، وأقام، فترة من الوقت، لدى قريب لوالدته في مخيم اليرموك، ريثما يستأجر غرفة له. وانتسب إلى مدرسة صفد الإعدادية التابعة لوكالة الأونروا، التي صار يستعير من مكتبتها للمطالعة مؤلفات عباس محمود العقاد، ومصطفى صادق الرافعي، وتوفيق الحكيم، وطه حسين وميخائيل نعيمة، كما كان على اتصال وثيق بأشعار المتنبي منذ سنة 1952.
في نيسان/أبريل 1956، انتقلت والدة يوسف سامي اليوسف وأشقاؤه الثلاثة، بعد أن كانت شقيقته مريم قد توفيت، إلى دمشق بعد حصولهم على إقامة دائمة في سورية، وعلى قطعة أرض مساحتها 40 متراً مربعاً، ومعها مئة ليرة سورية، من الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب. وبنوا على تلك الأرض بيتاً صغيراً في مخيم اليرموك، حيث صار يوسف يعمل في حفر الآبار.
نال يوسف شهادة الدراسة الإعدادية في حزيران 1957، وهو في التاسعة عشرة من عمره. وراح يعمل في أحد الفنادق بالقرب من ساحة المرجة، ويستفيد من أوقات فراغه في قراءة الروايات الإنكليزية.
وفي سنة 1957 انتسب إلى كتيبة فدائيين، كانت قد تشكّلت في سنة 1954 باسم "الكتيبة الثامنة والستين"، وكان معسكرها يقع في حرستا وهي ضاحية من ضواحي دمشق. وبعد أن أنهى، في شباط/فبراير 1958، دورة عسكرية، أُرسل مع أفراد من هذه الكتيبة، في أيار/مايو من ذلك العام، إلى لبنان لدعم الثوار الذين ثاروا على حكم الرئيس كميل شمعون. وبقي في بيروت حتى مطلع أيلول/ سبتمبر 1958.
في حزيران 1959، تقدم يوسف سامي اليوسف إلى امتحان شهادة الثانوية العامة-الفرع الأدبي على أساس حر، ونجح فيه، وهو ما مكنّه من الالتحاق بقسم اللغة الإنكليزية في كلية الآداب التابعة لجامعة دمشق. وفي العام نفسه، عقد قرانه على فتاة فلسطينية.
تبلّغ أمر تسريحه من "الكتيبة الثامنة والستين" في أيلول 1961، لكنه استُدعي، في مطلع كانون الأول/ديسمبر من ذلك العام، لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية في كلية ضباط الاحتياط في مدينة حلب، التي صارت مدرسة المدفعية فيما بعد. لكنهّ سُرّح منها بعد وقت قصير، لأن الضباط الذين قادوا الانقلاب الذي أفضى إلى انفصال سورية عن مصر كانوا يعتقدون أن الشبان الفلسطينيين موالون لجمال عبد الناصر وللوحدة العربية.
في أواخر شباط 1962، حصل يوسف سامي اليوسف على وظيفة معلم مياوم في مدرسة ابتدائية تابعة للأونروا في قرية المزيريب إلى الغرب من مدينة درعا، فكان يتقاضى أجراً عن كل يوم عمل. وفي مطلع تشرين الأول من ذلك العام، عيّنته إدارة الأونروا معلماً دائماً في مدرسة مخيم الرمل المجاور لمدينة اللاذقية، حيث صار يدّرس تلامذة الصف الرابع. وظل يمارس التعليم مع الأونروا طوال الثلاثين عاماً اللاحقة، إلى أن استقال في حزيران 1992.
في آذار/مارس 1963، دفع اليوسف، الذي طُلب من جديد لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية، بدلاً نقدياً بقيمة ألف ليرة سورية، ضمن له الإعفاء نهائياً من الجندية. وفي ذلك العام، نُقل إلى مدرسة طبرية في مدينة القنيطرة، حيث أمضى عامين حتى أيلول 1965. وكان قد تخرّج في كلية الآداب في جامعة دمشق في تموز/يوليو 1964، وانتسب إلى كلية التربية وبقي فيها زهاء أربعة أعوام من دون أن يفلح في نيل شهادة الماجستير.
في سنة 1965، قررت إدارة الأونروا نقله إلى دمشق، حيث صار يعلّم اللغة الإنكليزية في عدة مدارس تابعة لها في مخيم اليرموك. وفي شهر تموز من ذلك العام، قام بزيارة مدن القدس، ونابلس ورام الله.
تعاقد يوسف سامي اليوسف، في أواخر سنة 1967، مع المملكة العربية السعودية للتدريس في إحدى مدارس مدينة الرياض الثانوية، لكنه لدى وصوله إلى المطار، في 5 كانون الأول من ذلك العام، اعتُقل وأمضى عدة أيام في السجن، قبل ترحيله إلى سورية، على الرغم من حصوله على تأشيرة دخول من القنصلية السعودية في دمشق.
بعد أن استهواه الشعر العربي، وخصوصاً الجاهلي، انجذب يوسف سامي اليوسف منذ سنة 1968 إلى التراث وإلى الفكر الصوفي، فقرأ مؤلفات ابن عربي، كما أُعجب بكتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني.
وكان بدأ منذ صيف سنة 1973، يمارس الكتابة بانتظام، معبّراً عن إعجابه، بصورة خاصة، بأدب سميرة عزام وغسان كنفاني على الصعيد الفلسطيني، وبأدب وليم شكسبير وفيودور دوستويفسكي على الصعيد العالمي.
نشر يوسف سامي اليوسف أولى مقالاته في تموز/يوليو 1973 في مجلة كان يصدرها اتحاد المعلمين الفلسطينيين في دمشق، وابتداء من أواخر ذلك العام، كتب مقالات عن الشعر الجاهلي، نشرها في مجلة "المعرفة"، ومجلة "الموقف الأدبي" السوريتين. وقد تشكّل وعيه النقدي، كما قال ذات مرة، بتأثير النكبة الفلسطينية التي جعلته يعتقد أن المبدع "يتأثر كثيراً بالحوادث الحادة التي يعيشها في حياته، ولا سيما بالكوارث الوطنية والاجتماعية التي من شأنها أن تشحذ الحساسية لديه وأن تمدّها بزخم عارم."
كان يوسف سامي اليوسف "صاحب ذائقة لا تتساهل مع الرداءة"، مؤكداً في عمله "رفض النظرية الواحدة، ليرسخ التعددية والصدقية أساسين لكل عمل إبداعي ونقدي"، ومؤمناً "بأن الضمير هو الخير الأعظم في الإنسان"، وأن جوهر الأدب بصفته نشاطاً إنسانياً هو التعبير عمّا سماه "الروح النبيل". وقد لجأ كثيراً إلى مصطلح "الاغتراب"، وقدّر أن الشعور بالاغتراب "هو واحد من أكبر المصادر الغزيرة للأدب العظيم"، ووصف "المغتربين" بأنهم "عشاق السمو" في مقابل "التسافل"، معتبراً أنه لم يبقَ أمامهم "إلاّ أن يحتقروا بصمت هذه الحضارة الحديثة"، التي سماها "حضارة السخام"، والتي جعلت الإنسان يتحوّل من "كائن بشري" إلى "كائن بقري".
بفضل الراتب الجيد نسبياً الذي كان يتقاضاه من وكالة الأونروا، تمكّن يوسف سامي اليوسف من القيام، بين سنتَي 1975 و1979، بزيارة عدد من دول أوروبا الشرقية والغربية.
وكان اليوسف قد أصبح، في سنة 1976، عضواً في اتحاد الكتاب العرب في سورية، وسافر مع وفد الاتحاد في سنة 1977 إلى تونس للمشاركة في مؤتمر علمي ألقى خلاله مداخلة بعنوان: "النقد العربي المعاصر". كما شارك في بيروت في ندوة أُقيمت بمناسبة مرور خمسين عاماً على وفاة جبران خليل جبران، في أيلول 1981، وألقى خلالها مداخلة بعنوان: "يسوع ابن الإنسان". وسافر إلى الجزائر في سنة 1987 لحضور مؤتمر عقده اتحاد الكتّاب الفلسطينيين، وإلى المغرب في سنة 1988، ضمن وفد لاتحاد الكتّاب العرب في سورية، لحضور مؤتمر الإبداع العربي الذي عُقد في مدينة أغادير. كما شارك في مهرجان جرش في أواخر سنة 2001، حيث ألقى مداخلة بعنوان: "الشعر المقاوم"، تحدث فيها عن الشعراء الفلسطينيين الذين برزوا بين سنتَي 1917 و1948. وسافر إلى الإمارات في أواخر تشرين الثاني 2004 للمشاركة في مهرجان شعري وإلقاء محاضرة بعنوان: "ماهية الشعر العظيم"، لكن لدى وصوله إلى الشارقة علم أن المهرجان قد تأجل بسبب وفاة الأمير زايد بن نهيان.
أُصيب يوسف سامي اليوسف في 9 أيلول 1999 بأول نوبة قلبية، وكان قد أُصيب في سنة 1997 بداء السكري، وفي 6 تشرين الأول 2006 أصيب بنوبة قلبية ثانية، وبأزمة قلبية جديدة في 11 كانون الثاني سنة 2007. واكتشف أطباؤه في آب 2009 أنه مصاب بتضخم في القلب.
توفي يوسف سامي اليوسف في 2 أيار/مايو 2013 في مخيم نهر البارد في شمال لبنان، الذي اضطر إلى النزوح إليه بعد تفجّر الأوضاع في سورية، بما فيها داخل مخيم اليرموك.
يوسف سامي اليوسف، كاتب وناقد أدبي ومؤرخ ومترجم، ترك بعد رحيله مئات المقالات ونحو ثلاثين كتاباً في النقد الأدبي والتاريخ؛ تميّزت حياته بالمعاناة والعصامية والكفاح المرير، واحتل، منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين، مكانة بارزة في المشهد النقدي العربي، حتى إن الأديبة الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي وصفته بأنه "سيد وكبير النقاد العرب".
من آثاره:
"مقالات في الشعر الجاهلي". دمشق: وزارة الثقافة، 1975.
"الصوفية يسار الفكر العربي". مجلة "الآداب"، نيسان 1975.
"بحوث في المعلقات". دمشق: وزارة الثقافة، 1978.
"الغزل العذري". دمشق: اتحاد الكتّاب العرب، 1978.
"الشعر العربي المعاصر". دمشق: اتحاد الكتاب العرب، 1980.
"غسان كنفاني، رعشة المأساة". عمّان: دار منارات، 1985.
"تاريخ فلسطين عبر العصور". دمشق: دار الأهالي، 1989.
"مقدمة للنفري: دراسة في فكر وتصوف محمد بن عبد الجبار النفري". دمشق: دار الينابع، 1997.
"القيمة والمعيار". دمشق: دار كنعان، 2000.
"مقال في الرواية". دمشق: دار كنعان، 2002.
"تلك الأيام" (أربعة أجزاء). دمشق: دار كنعان، 2005-2008.
المصادر:
شبانة، عمر. "اليوسف: حياته ونتاجه الثقافي المتعدد"، في: مجموعة مساهمين. "ملف يوسف سامي اليوسف الذي لا يليق به الرثاء النمطي". مجلة "نزوى"، سلطنة عُمان، مسقط، 1 تموز/يوليو 2013.
https://www.nizwa.com/ملف-يوسف-سامي-اليوسف-الذي-لا-يليق-به-ال/
مركز الجرمق للدراسات. "ملف خاص بالذكرى السنوية الثامنة لوفاة الكاتب والناقد يوسف سامي اليوسف"، تورنتو-كندا، 2 أيار/مايو 2021.
https://www.yousefalyousef.com/abc/ملف مركز الجرمق 2021.pdf
"يوسف سامي اليوسف: كاتب، ناقد أدبي، مؤرخ، مترجم". موقع إلكتروني