![](https://www.palquest.org/sites/default/files/styles/media150/public/media/gZKWd.png?itok=lOUcCDKG)
فاطمة البديري
ولدت فاطمة البديري في مدينة القدس في سنة 1923 لعائلة مقدسية عريقة.
والدها: القاضي الشرعي والعالم الأزهري موسى البديري. شقيقاها: أحدهما طبيب العيون والشخصية الوطنية المعروفة خليل البديري، والآخر مهندس. زوجها: الإعلامي والشاعر والكاتب عصام حماد. لها ابنان أكبرهما مهدي الذي يعمل مخرجاً في التلفزيون الأردني.
أتقنت فاطمة البديري اللغة العربية على يد والدها الذي شجع أولاده وبناته على قراءة القرآن يومياً وحفظه، وحصلت على شهادة المترك "الثانوية العامة"، من كلية شميدت للبنات، ثم نالت دبلوم التربية من كلية دار المعلمات في القدس في سنة 1941.
عملت فاطمة البديري معلمة للغة العربية في إحدى مدارس مدينة بيت لحم، ثم درّست في دار المعلمات الريفية في مدينة رام الله.
انتقلت فاطمة البديري، في سنة 1946، للعمل مذيعة في الإذاعة الفلسطينية "هنا القدس"، التي انطلق عملها في أواخر آذار/ مارس سنة 1936، وكانت جميع برامجها وفرق عملها مقسّمة إلى ثلاثة أقسام: عربي وعبري وإنكليزي. وقد أشرف على القسم العربي فيها على التوالي: إبراهيم طوقان، وعجاج نويهض وعزمي النشاشيبي. وهي تصف كيف انضمت إلى طاقم الإذاعة بقولها: "الحقيقة أنا بدي أقول لم أكن أهتم كثيراً للإذاعة، صدفة سمعت نداء أو سمعت طلب، يطلبون مذيعين فقدمت هذا الطلب مع من قدموا، كان العدد كبيراً، شبان وبنات، فقدمت هذا الطلب واستدعوني إلى الفحص.. فقرأت، قرأت كعادتي لأنه أنا معلمة لغة عربية ودريانة على القراءة، أخذوني من ثاني يوم ووظفوني."
وعلى الرغم من أن والدها كان شيخاً أزهرياً وقاضياً شرعياً، فإنه لم يعترض، بصورة صريحة، وهو يرى ابنته تغادر وظيفتها في التعليم لتلتحق بالإذاعة، على الرغم من حجم الضغوط الكبيرة التي واجهها عندما كسرت ابنته المألوف في الحياة الاجتماعية العربية بصورة عامة، والمقدسية بصورة خاصة، وتصدت للعقلية التي ترفض حضور صوت المرأة في الأماكن العامة. وهي تصف ردة فعل الناس بقولها: "ردة الفعل كانت فظيعة حطّموا لي أعصابي الناس. الناس تركوا القنبلة الذرية [في] اليابان، وصاروا يحكوا عليّ، ولأنه أبوي قاضي، كان قاضي شرع وشيخاً ويدرس في الجامع، فاستكبروها كثير، إنه كيف أروح وكيف أقعد مع الرجال وأشتغل في الأخبار وأطلع مذيعة مع المذيعين؟! كلهم مذيعين كانوا، من جملتهم جوزي. ما هو كان مذيعاً وأنا كنت مساعدة له." أمّا عن ردة فعل والدها، عندما رجعت إلى البيت بعد يوم عملها الأول، فهي تقول "ما حكاش كثير، ما بعرف إذا كان رضيان داخلياً أو مش رضيان، لأنه كانت صعبة كثير الوضعية الحقيقة، كانت صعبة كثير على أهلي كثير تحملوا خصوصاً أمي لأنها هي صحيح أمي وبتعرف تقرأ وتكتب ولكن مش مستعدة أن تتقبل هيك إشي فأنا لهلق بتذكر وندمانة أني عملت فيها هالعملة."
كانت فاطمة البديري في ذلك الوقت من أوائل العربيات اللائي خضن ميدان العمل الإذاعي الإخباري في العالم العربي، إلى جانب المذيعتين المصريتين صفية المهندس وتماضر توفيق. ولم يقتصر عملها على قراءة نشرة الأخبار، بل كانت تشرف كذلك على قسم برامج المرأة والأطفال، وتشارك في تقديم البرامج الثقافية المتنوعة، كما مثلت، مع مَن سيصبح زوجها فيما بعد، عدداً من المسرحيات والتمثيليات الإذاعية، وهي خطوة لم تلقَ القبول في أوساط العائلة. وتقول في هذا الصدد: "نعم مثّلنا، كنت أنا أمثل، زدت الهم على القلب بالنسبة للناس.. قامت القيامة وقتها.. كيف أمثل وأنا بنت شيخ وقاضي، وأخوي هذا دكتور وأخوي ذاك مهندس."
بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين ووقوع النكبة في سنة 1948، أصبحت الإذاعة الفلسطينية تحت سيطرة مزدوجة، إذ استولت الحكومة الإسرائيلية الوليدة على محطة البث في القدس، بينما تسلمت الحكومة الأردنية أجهزة الإرسال والمعدات الهندسية ومرافق البث في مدينة رام الله. وانتقلت فاطمة البديري للعمل في الإذاعة التي صارت تبث من رام الله.
اقترنت فاطمة البديري في سنة 1949 بالإعلامي والشاعر عصام حماد، الذي كان يعمل في إذاعة "هنا القدس" منذ سنة 1944، وانتقلت مع زوجها، في سنة 1950، للعمل في إذاعة دمشق، حيث كان لهما دور ريادي متميز فيها.
خلال عملها في إذاعة دمشق، حصلت مع فاطمة البديري حادثة مشهودة، إذ بينما كانت مذيعة الفترة في أحد أيام الجمعة، نقلت الإذاعة خطبة للقاضي الشرعي الشهير علي الطنطاوي من أحد مساجد المدينة، ذمّ فيها الحكومة والشعب، فحمّلها مدير الإذاعة المسؤولية وقرر طردها من العمل، لكن قراره هذا جوبه بحملة تضامنية واسعة معها، ترافقت مع رفض مجلس النواب السوري، في جلسة خاصة عقدها، تحميلها المسؤولية، وهو ما فرض على مدير الإذاعة إعادتها إلى العمل.
بعد انتهاء عملهما في إذاعة دمشق في سنة 1952، رجعت فاطمة البديري مع زوجها إلى مدينة رام الله، حيث التحق زوجها بالعمل الإذاعي من جديد مديراً للبرامج في "دار الإذاعة الأردنية في القدس"، بينما هي عادت إلى العمل في التربية والتعليم، ثم طلبتها الإذاعة لقراءة نشرة الأخبار مرة واحدة يومياً.
بعد إقالة حكومة سليمان النابلسي الوطنية في نيسان/ أبريل 1957، تعرض زوجها عصام حماد للملاحقة البوليسية وصدر حكم عليه بسبب مواقفه السياسية القومية واليسارية، فاضطر إلى اللجوء إلى دمشق، ثم التحقت به زوجته وبقيا هناك مدة عام، من دون أن تتاح لهما فرصة العمل.
في سنة 1958، انتقلت فاطمة البديري مع زوجها إلى مدينة برلين، عاصمة جمهورية ألمانيا الديمقراطية، للعمل في القسم العربي في الإذاعة الألمانية، وبقيا يعملان هناك نحو سبع سنوات في قراءة الأخبار وكتابة التعليقات، وذلك على الرغم من أن الاستماع إلى تلك الإذاعة كان محدوداً، وهي تتحسر على ذلك وتقول إن الإذاعة كانت "مغمورة ومش مسموعة، هذا اللي كان مؤلمني أنا، مؤلمني ومؤلمه [زوجها] بس هو ما يحكيش، بس أنا أحكي الحقيقة، شو زي اللي بينفخ في قربة مخرومة، أو زي اللي بينفخ ببير، بس مضطرين كنا نقعد. كانوا استقبلونا كثير استقبال منيح يعني، كثير كانوا يحترموننا الحقيقة، بعدين هو بقي يشتغل مثل ما كان يشتغل، بنفس الإخلاص اللي كان يشتغل في الدول العربية اشتغل فيه بالإذاعة الألمانية."
بعد صدور العفو الملكي العام عن السياسيين المعارضين، في سنة 1965، عادت فاطمة البديري مع زوجها إلى مدينة رام الله، حيث عملت معلمة، ثم أمينة مكتبة في دار المعلمات التابعة لوكالة الأونروا.
بعد عامين، أي في سنة 1967، غادرت فاطمة البديري مدينة رام الله، مع زوجها، إلى مدينة عمّان، حيث عملت في سلك التعليم في مدارس وكالة الأونروا بين سنتَي 1967 و1971، ثم في "قسم التصنيف" بمكتبة الجامعة الأردنية في عمّان بين سنتَي 1978 و1983، كما عملت في "الدار الأردنية للثقافة والإعلام" في عمّان. وفي أثناء فترة إقامتها في عمّان شاركت فاطمة البديري، التي كانت تتقن اللغتين الألمانية والإنكليزية، في عدد كبير من المؤتمرات العربية والدولية، وكانت تجربتها المهنية مادة لكثير من الدراسات والأبحاث التي تعاملت مع الإعلام ودور المرأة العربية فيه.
توفيت فاطمة البديري في أوائل حزيران/ يونيو 2009 في عمّان، بعد ثلاث سنوات من رحيل زوجها عصام حماد، ولم يتحقق حلمها بأن "تشوف فلسطين متحررة"، وأن تدفن في القدس، التي كانت تعتبرها "أجمل بلد في العالم"، فدفنت في عمّان، وهي تلخص حكايتها بقولها: "حكايتي.. إنها حكاية الجميع، مأساة تاريخ قريب وبعيد ممرغ بالذل والهوان موشح بالبؤس والأحزان يحفل بالشقاء ينضح بالدماء."
فاطمة البديري من أوائل المذيعات في العالم العربي، وأول سيدة تجلس وراء الميكروفون لتقدم لمستمعيها نشرة الأخبار، التي ظلت حتى ذلك الوقت حكراً على الأصوات الذكورية. قال عنها الكاتب المقدسي محمود شقير في كتابه "قالت لنا القدس": "ربما كانت المقدسية فاطمة البديري من أجرأ بنات المدينة في ثلاثينيات القرن العشرين وما أعقبها من سنوات، حينما التحقت بالإذاعة الفلسطينية في القدس، واشتغلت مذيعة ومعدة للبرامج. كان ذلك يُعتبر اقتحاماً غير عادي لميدان غير عاديّ آنذاك، حينما تعمل امرأة في وسط أغلب العاملين فيه من الرجال، وحينما ينطلق صوتها الأنثوي عبر الأثير مخاطباً أناساً كثيرين في أماكن شتى." أمّا فيحاء عبد الهادي، فقد كتبت عنها: "حين يُذكر اسم الإذاعية المقدسية العريقة، فاطمة موسى البديري، يذكر بارتباطه بالريادة في مجال العمل الإذاعي المهني، حين بدأت المرأة تقرأ نشرة الأخبار، بعد أن اقتصرت قراءاتها قبل ذلك، على المقالات المتنوعة المتفرِّقة، مما جعلها أول مذيعة أخبار في 'إذاعة فلسطين'، كما يرتبط اسمها بالريادة الاجتماعية، حيث تمردت على العادات والتقاليد الاجتماعية، التي تمنع النساء من العمل في مجالات لم يألفها المجتمع، مثل العمل الإذاعي."
المصادر:
الأميطل، منى. "فاطمة البديري .. صوت "هنا القدس" الذي غادرنا"، "بنفسج، حضور إمرأة"، 4 آب/أغسطس 2009.
https://bnfsj.net/post/1850/فاطمة-البديري-صوت-هنا-القدس-الذي-غادرنا
سعادة، علي. "فاطمة البديري أول عربية تبث عبر ميكروفون "هنا القدس""، "عربي 21"، 14 حزيران/ يونيو 2021.
https://arabi21.com/story/1365260/فاطمة-البديري-أول-عربية-تبث-عبر-ميكروفون-هنا-القدس
شقير، محمود. "قالت لنا القدس. نصوص، يوميات، شهادات"، منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، 2010.
عبد الهادي، فيحاء. "ظاهرة نسوية، فاطمة موسى البديري في ذاكرة الشعب الجماعية"، "مفتاح-المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية"، 21 تموز/يوليو 2009.
http://miftah.org/arabic/Display.cfm?DocId=10665&CategoryId=2
عودة، هشام. "بورتريه: فاطمة البديري أولى الإذاعيات العربيات"، "الدستور"، 18 تشرين الأول/أكتوبر 2009.
https://www.addustour.com/articles/922241-بورتريه-فاطمة-البديري-اولى-الاذاعيات-العربيات
كليب، سامي. "فاطمة البديري.. ذكريات التهجير والعمل الإذاعي" (زيارة خاصة)، "الجزيرة"، 3 آذار/مارس 2008.
https://www.aljazeera.net/programs/privatevisit/2008/3/3/فاطمة-البديري-ذكريات-التهجير-والعمل
النجار، عايدة. "القدس والبنت الشلبية"، عمّان، دار السلوى للدراسات والنشر، 2011.
وفا. "فلسطينيات خالدات في الذاكرة".
https://info.wafa.ps/pages/details/29796
يعقوب، أوس داوود. "فاطمة موسى البديري (1923 - 2009) .. رائدة الإعلام النسائي في فلسطين وأولى المذيعات العربيات"، "جنى، المرأة ثقافة إبداع وريادة"
https://www.jana.ps/articles/Article/60/ar/فاطمة_موسى_البديري