إضاءة على –

الحدود بين فلسطين ومصر

إضاءة على –
الحدود بين فلسطين ومصر
خط فرضه البريطانيون على العثمانيين

عرض جدول الأحداث

Turkish military town of Auja al-Hafir

1916
Source: 
American Colony (Jerusalem), Library of Congress

قبل الحرب العالمية الأولى ، كانت المناطق التي ستُشكَّل منها فلسطين الانتدابية  تضم متصرفية القدس التي استقلت عن ولاية سوريا في سنة 1872، ومركزها القدس ، واشتملت على أقضية يافا وغزة والخليل ، ثم على قضاء بئر السبع ، الذي أنشأته السلطات العثمانية في سنة 1899 للسيطرة على النقب في اتجاه شبه جزيرة سيناء تحسباً من التوسع البريطاني؛ سنجق عكا ، الذي كان تابعاً لـولاية بيروت ، آنذاك، وضم أقضية عكا وحيفا وصفد والناصرة وطبريا ؛ سنجق البلقاء الذي كان تابعاً لولاية بيروت ومركزه نابلس ، وشمل أقضية جنين وبني صعب وجماعين .

وخلال الحرب، وبناءً على الاتفاقيات التي توصّل إليها مارك سايكس وجورج بيكو بموافقة روسيا ، في أيار/ مايو 1916 ، حصلت بريطانيا على جيب عكا-حيفا، وذلك بعد أن فشل جورج بيكو في إقناع مارك سايكس بأن يكون ميناء غزة هو المنفذ الذي تطالب به بريطانيا على البحر الأبيض المتوسط ، واتُّفق على تدويل القدس وبقية مناطق فلسطين. بيْد أن البريطانيين كانوا مصممين على التشكيك في هذه الاتفاقيات في أسرع وقت ممكن، إذ كانوا ينظرون إلى نظام التدويل على أنه موقت، كما كانوا ينظرون إلى الحدود بالطريقة نفسها. ومنذ صيف سنة 1916، بدأ مارك سايكس، في نطاق منظور المراجعة هذا، يفكر في كيفية دمج المشروع الصهيوني ضمن المخططات البريطانية، وهو ما تحقق عن طريق إصدار وعد بلفور في سنة 1917، الذي ترافق مع انتصار الثورة البلشفيّة وخروج روسيا من اتفاقية سايكس – بيكو ، وهو ما أضعف استمرار مطالبة فرنسا بتدويل فلسطين.

عندما عقد الحلفاء مؤتمر سان ريمو في نيسان/ أبريل 1920، كانت الجيوش البريطانية قد احتلت فلسطين. ومنح ذلك المؤتمر بريطانيا الانتداب على فلسطين، بعد أن تخلت فرنسا عن مطلبها بضمان الحماية الدينية في فلسطين، واحتُفظ بالتعريف التوراتي لحدود فلسطين: أي "المنطقة الواقعة بين دان في الشمال وبئر السبع في الجنوب."

بعد أن حصلت بريطانيا على الانتداب على فلسطين، كان عليها ترسيم حدود هذا الكيان الانتدابي، بما يضمن الانتقال من حدود ولاية ضمن إمبراطورية إلى حدود كيان دولاتي. ويتناول هذا النص تحديداً الحدود الجنوبية مع مصر ، .

"أزمة الفرمان" في سنة 1892                                

استغرقت عملية ترسيم حدود فلسطين الجنوبية مع مصر عقوداً طويلة، ومرت بمراحل متعددة. وجاء أول ترسيم للحدود الإدارية بين مصر وفلسطين في سنة 1841، بعد قيام الدول الأوروبية الكبرى بإجبار القوات المصرية على الانسحاب من بلاد الشام ، مُتَضمناً في الفرمان الذي أصدره السلطان عبد المجيد الأول ومنح فيه محمد علي باشا ، مؤسس الدولة الخديوية في مصر ، وذريته من بعده حكم مصر. وأرفق بالفرمان خريطة بيّنت أن الحدود بين مصر من جهة، والحجاز وفلسطين، من جهة ثانية، تمتد من السويس إلى رفح ، كما بيّنت أن ثلثي شبه جزيرة سيناء يظلان تحت إدارة الحجاز، بينما تدير مصر المنطقة الشمالية-الغربية منها. وسمح الفرمان نفسه لحاكم مصر بالتحرك في شبه جزيرة سيناء حتى إلى مسافات أبعد من خط الحدود المرسومة، وذلك لحماية الحجاج المسلمين المتوجهين إلى مكة .

أثار حفر قناة السويس ، الذي بدأ في سنة 1859 وانتهى في سنة 1869، اهتمام الدول الأوروبية الكبرى بمصر، وأدركت بريطانيا، على وجه الخصوص، أهمية  ضمان حرية المرور عبر قناة السويس لحماية الطريق نحو مستعمرتها في الهند ، وقامت باحتلال مصر في سنة 1882.

في سنة 1892، توفي حاكم مصر الخديوي توفيق باشا وخلفه ابنه الخديوي عباس حلمي ، وجرى تثبيته على العرش بفرمان من الصدر الأعظم، أحمد جواد باشا . وفي ذلك الفرمان، استُبعدت مصر من إدارة شبه جزيرة سيناء بالكامل، الأمر الذي أدّى إلى نشوب أزمة دبلوماسية، سُميت باسم "أزمة الفرمان "، بين الباب العالي والحكومة البريطانية. وفي نيسان من ذلك العام، جرت مراسلات بين السير إيفلين بارينغ  ممثل الحكومة البريطانية في مصر، والذي سيصبح فيما بعد اللورد كرومر ، وبين ممثلي السلطان العثماني، تكللت برسالة وجهها الممثل البريطاني في 13 نيسان، حددت حدود مصر الشرقية التي تأمل بها الحكومة البريطانية على خط يبدأ من رفح شمالاً على البحر الأبيض المتوسط، ويمتد إلى رأس خليج العقبة جنوباً، عند نقطة تقع على بعد ثلاثة أميال إلى الغرب من حصن العقبة الذي يكون جزءاً من ولاية الحجاز. بيد أن الصدر الأعظم لم يعلّق على الترسيم البريطاني للحدود، الذي أدرج مجمل شبه صحراء سيناء ضمن حدود مصر، فهو لم يقبله ولم يرفضه.

أطماع الحركة الصهيونية في صحراء سيناء والعريش

بعد فشل مساعيه مع السلطان عبد الحميد الثاني للحصول على موطئ قدم في فلسطين، اقترح تيودور هرتزل ، في تشرين الأول/ أكتوبر 1902، على وزير المستعمرات البريطاني جوزيف تشمبرلين ، في لقاء جرى بينهما في لندن ، تجميع اليهود في صحراء سيناء والعريش ، أي "في موقع يكون أقرب ما يكون إلى فلسطين". ومع أن الوزير البريطاني لم يعارض مبدئياً هذا المقترح، إلاّ إن اللورد كرومر في القاهرة ، الذي كان يعتقد أن صحراء سيناء هي أفضل موقع للدفاع عن الضفة الشرقية لقناة السويس، قرر أن تتشكل لجنة من الخبراء للتحقق من موارد صحراء سيناء والعريش، ورفض، بعد صدور تقرير تلك اللجنة في 11 أيار 1903، المقترح الصهيوني، ونُقل هذا الرفض رسيماً إلى هرتزل.

في الجانب العثماني، كان السلطان عبد الحميد قد أصبح خاضعاً بشدة، آنذاك، للنفوذ الألماني. ووضع بالتنسيق مع الألمان خطوطاً إستراتيجية جديدة في الشرق الأوسط بحسب مسار خطوط السكك الحديدية التي شرعت في إنشائها الحكومة العثمانية، وأهمها خط سكة حديد الحجاز ، الذي بدأ تنفيذه في سنة 1900، بحيث يصل دمشق بمكة والمدينة ، ويخدم الحجاج المسلمين والحاجات الإستراتيجية للجيش العثماني في آن واحد. وفي الوقت نفسه، طرح مهندسون ألمان مشروعاً لحفر قناة بين غزة على البحر الأبيض المتوسط والعقبة [في الأردن حالياً] على البحر الأحمر ، كان يمكن أن تشكّل تهديداً جدياً لقناة السويس. وبينما كان يتقدم تنفيذ مشروع خط سكة حديد الحجاز، ويثير تخوفاً لدى البريطانيين، لم يرَ النور مشروع قناة غزة-العقبة.

"أزمة طابا" في سنة 1906 وترسيم الحدود النهائي

في كانون الثاني/ يناير 1905، كلف اللورد كرومر الضابط البريطاني جينينغز براملي ، الخبير بالشؤون الإسلامية والذي رافق لجنة التحقيق إلى صحراء سيناء والعريش في سنة 1903، بالقيام بجولة عبر شبه صحراء سيناء حتى مشارف العقبة، مع فرقة عسكرية صغيرة لإقامة بعض الاستحكامات ومراكز الحدود. وقد جرى خلال تلك الجولة احتلال موقعين صغيرين إلى الشمال الغربي من العقبة. وفي كانون الثاني 1906، وصلت أخبار جولة جنينغز براملي إلى الآستانة ، فأرسل وزير الخارجية توفيق باشا ، في أواخر ذلك الشهر، برقية إلى البريطانيين يطالبهم فيها بسحب قواتهم من منطقة العقبة. وبعد أيام على ذلك، أرسل برقية ثانية يؤكد فيها أن العقبة ليست وحدها جزءاً من الأراضي العثمانية، وإنما أيضاً كل المناطق التي حولها، بما فيها طابا الواقعة على الجانب الغربي من خليج العقبة. وقد تزايدت حدة التوتر، بعد أن رفضت الحكومة العثمانية طلب حكومة الخديوي عباس حلمي بتشكيل لجنة مشتركة لتعيين التخوم بين شبه جزيرة سيناء والأملاك العثمانية في الشام والحجاز، معتبرة أن مصر نفسها هي جزء من الإمبراطورية العثمانية ، وأن من غير المناسب بالتالي تحديد الحدود بين عدة مناطق من الإمبراطورية نفسها، وطرحت، في مطلع أيار 1906، مشروع إنشاء فرع لخط سكة حديد الحجاز يصل معان بالعقبة على البحر الأحمر، وذلك لتأمين طرق الحج بين مصر والحجاز.  

بعد إخفاق مساعي التوصل إلى تسوية، التي بذلها كلٌ من مختار باشا ، ممثل الحكومة العثمانية في القاهرة، مع المسؤولين المصريين، من جهة، والسير نيكولاس أوكونور ، سفير بريطانيا في الآستانة، مع الممثلين العثمانيين، من جهة أُخرى، أمر الباب العالي اللواء رشدي باشا قائد حامية العقبة العثمانية باحتلال وادي طابا، فاعتبر البريطانيون أن احتلال طابا ينطوي على تهديد لمصر وقناة السويس، وتحرك اللورد كرومر سريعاً، وكتب إلى وزير خارجيته السير إدوارد غراي يقول: "يشرفني أن أعلمكم أن المسألة لم تعد مسألة محلية، بل إن من الأهمية بمكان بالنسبة إلى المصالح البريطانية، والمصرية، والأوروبية بصورة عامة، منع تركيا من تنفيذ البرنامج الذي عرضته حالياً، إذ إن ذلك سيشكّل تهديداً جدياً ليس فقط لحرية مصر ولسلالة الخديوي، بل أيضاً لحرية المرور عبر القناة."

وبدعم من حكومته، أرسل اللورد كرومر إنذاراً إلى الصدر الأعظم طالبه فيه بسحب القوات التركية من طابا خلال عشرة أيام، والتوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود، ووضع الأسطول البريطاني شرق البحر الأبيض المتوسط في حالة تأهب. ومع أن الصدر الأعظم حاول المناورة، لكن السفير أوكونور ردعه ودعاه، في 12 أيار 1906، إلى سحب القوات التركية حالاً من طابا، والموافقة على تشكيل لجنة مشتركة مصرية-عثمانية لترسيم خط الحدود.

وأمام هذا الموقف البريطاني الحازم، اضطر الصدر الأعظم إلى التراجع، وكتب توفيق باشا، في 14 أيار، رسالة إلى السفير أوكونور، ورد فيها: "إن الانسحاب من طابا قد تقرّر، وأُعطيت الأوامر بذلك، وسيجتمع ضباط هيئة الأركان الموجودون في العقبة والموظفون الذين سيرسلهم الخديوي لتفقد المواقع، وسيجري، بحسب المعطيات الطبوغرافية، تحقيق تقني ورسم الخط الفاصل انطلاقاَ من رفح، بالقرب من العريش، وامتداداً في اتجاه الجنوب الشرقي في خط  مباشر  تقريبي حتى خليج العقبة على مسافة أقل من ثلاثة أميال من حصن العقبة." وبذلك، تكرّس إدراج قطاع طابا ضمن حدود مصر، وتمّ ترسيم خط الحدود المصرية الفلسطينية في الصحراء بين البحر الأبيض ​​ المتوسط  والبحر الأحمر، من رفح إلى طابا.   

في مطلع تشرين الأول 1906، وقّع المندوبون المصريون والعثمانيون في رفح الاتفاقية النهائية التي وصفت خط الحدود بأنه "إداري"، وليس سياسياً أو دولياً، بين "ولاية الحجاز ومتصرفية القدس" من جهة، "والخديوية الجليلة المصرية"، من جهة ثانية. وأوضحت الاتفاقية في المادة السادسة منها أن: "جميع القبائل القاطنة في كلا الجانبين لها حق الانتفاع بالمياه حسب سابق عاداتها"، وورد في المادة الثامنة: "تبقى أهالي وعربان الجهتين على ما كانت عليه قبلاً من حيث ملكية المياه والحقول والأراضي في الجهتين كما هو متعارف بينهم." بينما أكدت المادة السابعة من الاتفاقية أن العساكر الأتراك المسلحين لا يسمح لهم بالعبور إلى غرب الخط الفاصل.

في 9 أيار 1919، ورد في مذكرة قدمها الوفد البريطاني إلى مؤتمر باريس للسلام أن البريطانيين يعتزمون تبنّي الحدود بين مصر والإمبراطورية العثمانية التي تمّ ترسيمها في سنة 1906. وفي 28 شباط/ فبراير 1922، أعلنت بريطانيا إنهاء الحماية البريطانية على مصر التي أصبحت دولة مستقلة ذات سيادة، وبات للحدود المصرية طابع دولي، وعزز الانتداب البريطاني على فلسطين تلك الحدود برسم ما يُعرف بـ "الحد الفاصل" بين مصر وفلسطين. وفي 16 أيلول/ سبتمبر 1922، أصبحت منطقة النقب جزءاً من فلسطين بموافقة عصبة الأمم ، وذلك لإرضاء المنظمة الصهيونية التي كانت تضغط على الحكومة البريطانية كي تؤمن لها إمكان الوصول إلى البحر الأحمر، ورُفضت مطالب الأمير عبد الله بن حسين الذي كان يطمع بضم النقب إلى إمارة شرق الأردن .

الحدود المصرية - الإسرائيلية

في 24 شباط 1949 في أعقاب حرب فلسطين ، وقعت إسرائيل ومصر اتفاقية الهدنة ، وحتى ذلك التاريخ لم يتجاوز احتلال اسرائيل فى الجنوب خطاً عرضياً، يمر بمدينة بئر السبع، بحيث بقي جنوب فلسطين أرضاً عربية من دون احتلال إسرائيلي، ومساحته 7,000 كم2، ويمثل ثلثي الحدود الجنوبية مع مصر. وبينما لم تتقدم أي قوات عربية للدفاع عن هذه المنطقة الحيوية، تقدم الجيش الإسرائيلي بقوة خفيفة واحتل كل هذه المنطقة، وزرع العلم الإسرائيلي على أم الرشراش ، في الأسبوع الأول من آذار/ مارس 1949. وقد أنشأت إسرائيل مدينة إيلات في موقع أم الرشراش، وزرعت مستوطنات مسلحة قرب قطاع غزة، ووسعت مدينة بئر السبع، واستولت على المنطقة المنزوعة السلاح قرب عوجا الحفير على الحدود مع مصر ومساحتـها 260 كم2.

وقد نصت معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية التي وقعت في 26 آذار 1979، على أن الخط الفاصل الإداري لسنة 1906 أصبح خط الحدود الدولي بين مصر وإسرائيل، واعتُبرت المنطقة المنزوعة السلاح عند عوجا الحفير ضمناً تحت السيادة الإسرائيلية. وهكذا، امتدت الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل سنة 1948/ 1949 من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر.

قراءات مختارة: 

أبو ستة، سلمان. "حدود فلسطين مدخل إلى الاستعمار". "عالم الفكر"، المجلد 32، العدد 4 (أبريل-يونيو 2004)، ص 23-58.

Biger, Gideon. “International Boundaries and the Change of Landscape: The Israel-Egypt Boundary as a Case Study.” Studia z Geografii Politycznej i Historycznej 4 (2015): 55–64.

Laurens, Henry. La question de Palestine. Tome premier: 1799-1922, l'invention de la Terre sainte. Paris: Fayard, 1999.

Neher-Bernheim, Renée. “Frontières du Sinaï: Un siècle de diplomatie au Moyen-Orient, 1840-1948.” Politique étrangère 36, no.2 (1971): 147–64.

Perrin, Dominique. Palestine: une terre, deux peuples. Villeneuve d'Ascq: Presses universitaires du Septentrion, 2000.

Vareilles, Guillaume. “Les frontières de la Palestine 1914–1947.”

https://www.lesclesdumoyenorient.com/Les-frontieres-de-la-Palestine-1914-1947.html

Vareilles, Guillaume. Les frontières de la Palestine, 1914–1947. Paris: L'Harmattan, 2011.

t