جدول الأحداث الكلي

جدول الأحداث الكلي

Highlight
حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" (II)
1993-اليوم

حركة "فتح" على رأس السلطة الوطنية الفلسطينية

عندما بدأت الانتفاضة تفقد ديناميتها، وتوقف الحوار الأميركي-الفلسطيني (حزيران/ يونيو 1990)، راهنت قيادة حركة "فتح " على "المبادرة" السياسية التي طرحها الرئيس العراقي صدّام حسين ، في 12 آب/ أغسطس 1990، بعد قيام جيشه بغزو الكويت ، على قاعدة "الربط" بين جميع النزاعات في الشرق الأوسط ، أي الربط بين احتلال الكويت واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة . غير أن نتائج حرب الخليج ، التي انتهت بهزيمة الجيش العراقي، وضعت حداً للدعوة إلى اشتراط الانسحاب من الكويت بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية، وتسببت في فرض حصار سياسي ومالي خانق على حركة "فتح" وعلى قيادة منظمة التحرير دفعهما، عشية تفكك الاتحاد السوفييتي ، إلى قبول الشروط الأميركية للمشاركة في مؤتمر مدريد للسلام، في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 1991، من خلال ممثلين عن سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، باستثناء القدس ، ضمن وفد أردني فلسطيني مشترك، وهو التوجه الذي جوبه بمعارضة شديدة من جانب عدد من فصائل منظمة التحرير والقوى الإسلامية.

وبعد توصله إلى قناعة بأن المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية التي صارت تدور في واشنطن لن تتوصل إلى نتيجة، شجّع ياسر عرفات الاتصالات السرية التي انطلقت في أوسلو مع حكومة حزب العمل الجديدة برئاسة يتسحاق رابين ، بإشراف عضو اللجنة المركزية للحركة محمود عباس (أبو مازن)، وإدارة عضو اللجنة المركزية الآخر أحمد قريع (أبو العلاء)، وهي الاتصالات التي تكلّلت، في 13 أيلول/ سبتمبر 1993، بتوقيع اتفاق "إعلان المبادئ الفلسطيني- الإسرائيلي" في واشنطن والذي صار يُعرف باسم "اتفاقية أوسلو ". وبناءً على هذه الاتفاقيّة، دخل عدد كبير من مقاتلي حركة "فتح" وكوادرها إلى قطاع غزة ومنطقة أريحا ، ووصل ياسر عرفات، في 1 تموز/ يوليو 1994، إلى مدينة غزة ، ومعه عدد من قادة حركة "فتح"، بينما رفض عدد آخر منهم الدخول إلى المناطق الفلسطينية المحتلة وفي مقدمهم فاروق القدّومي (أبو اللطف).

لقد توهمت قيادة حركة "فتح" أن "اتفاق إعلان المبادئ" سيخلق، لأول مرة في التاريخ، وجوداً قومياً للشعب الفلسطيني فوق أرض وطنه، معتبرة أن عوامل السيادة الفلسطينية يمكن أن تتجمع شيئاً فشيئاً، وأن الحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة في وسعه أن يتطور، بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، إلى دولة فلسطينية مستقلة، وأنها ستتمكن، بالاستناد إلى الدعم الدولي، السياسي والمالي، من بناء مؤسسات هذه الدولة. من الصحيح أنها لم تتجاهل صعوبة المفاوضات التي ستدور حول قضايا الحل النهائي، كالقدس واللاجئين والحدود والمياه، كما لاحظ مهندس الاتفاق محمود عباس، إلاّ إنها قدّرت أن قبول الحكومة الإسرائيلية، في نهاية الأمر إدراج هذه القضايا في جدول أعمال المفاوضات، بعد أن كانت قد أصرّت على أن يتقدم كل طرف بالموضوع الذي يراه مناسباً دون التزام من الطرف الآخر، يلزم الإسرائيليين بضرورة بحث هذه القضايا، من جهة، ويمكن أن يرسم ملامح المرحلة النهائية، من جهة ثانية.

وقد شرع ياسر عرفات، بعد دخوله، في تشكيل أجهزة السلطة الفلسطينية ، العسكرية والمدنية، اعتماداً، في المقام الأول، على كوادر الحركة العائدين وعلى كوادرها في الداخل، الأمر الذي جعل الحركة تتحوّل إلى ما يشبه "الحزب الحاكم" أو "حزب السلطة" المهيمن على الحكومة والإدارات وعلى أجهزة الأمن وعلى الهيئات المتخصصة، كهيئة الإذاعة والتلفزيون، والمسيطر على القرار الفلسطيني أمام منافسة القوى الفلسطينية الأُخرى. وكان هذا كله يتطلب السعي لتعبئة قاعدة الحركة وتوسيعها في الضفة الغربية وقطاع غزة، وضمان وحدة قيادتها، والعمل على الحفاظ على نفوذها في دول الشتات، خصوصاً وأن الاتفاق كان يلزم قيادة الحركة بأن تقيدّ النضال الجماهيري وتمنع اللجوء إلى أعمال العنف، وأن تعتمد المفاوضات والعمل الدبلوماسي طريقاً إلى بلوغ التسوية النهائية المنشودة للصراع.

انتقال قيادة الحركة إلى محمود عباس

في 20 كانون الثاني/ يناير 1996، جرت انتخابات رئاسة السلطة في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية ، وقطاع غزة، ففاز فيها ياسر عرفات بنسبة 87,1 في المئة على منافسته المستقلة السيدة سميحة خليل . كما جرت، في اليوم ذاته، انتخابات المجلس التشريعي ، التي فاز فيها مرشحو "فتح" بنسبة كبيرة، في ظل مقاطعة الجبهتين الشعبية والديمقراطية وفصائل أُخرى داخل منظمة التحرير، فضلاً عن القوى الإسلامية. وهكذا سيطرت حركة "فتح" على السلطتين التشريعية والقضائية في السلطة الوطنية.

بيد أن استمرار إسرائيل في فرض حقائق جديدة على الأرض من خلال الاستيطان والتهويد، تسبب في اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة في 28 أيلول 2000، وخصوصاً بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد التي انطلقت في 11 تموز 2000 بين ياسر عرفات ورئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك إيهود باراك . وبرز في إطار هذه الانتفاضة الثانية جيل من كوادر حركة "فتح" الذين تربوا في الثمانينيات في تنظيم الشبيبة الذي أنشأته الحركة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعرفوا تجربة سجون الاحتلال. وكان من أبرز رموز هذا الجيل مروان برغوثي الذي اعتقلته إسرائيل وأصدرت بحقه في حزيران 2004، بعد اتهامه بالوقوف وراء "كتائب شهداء الأقصى " العسكرية، حكماً بالسجن أكثر من خمسة مؤبدات، فضلاً عن محمد دحلان ، مسؤول "جهاز الأمن الوقائي " في قطاع غزة وجبريل رجّوب ، مسؤول "الأمن الوقائي" في الضفة الغربية.

في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2004، توفي ياسر عرفات في ظروف غامضة، بعد حصار مقر إقامته في مدينة رام الله لأكثر من عامين من جانب وحدات الجيش الإسرائيلي التي اجتاحت مدن الضفة الغربية في 27 آذار/ مارس 2002. وخلفه في رئاسة الحركة والمنظمة محمود عباس (أبو مازن)، الذي فاز في انتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية التي جرت في 9 كانون الثاني 2005، وحصل فيها على نحو 63 في المئة من الأصوات في مواجهة منافسه مصطفى برغوثي .

حركة "فتح" أمام تحدي حركة "حماس"

أكد محمود عباس في برنامجه الانتخابي، الحاجة إلى إصلاح النظام السياسي على أساس تفعيل دور المؤسسات، وإطلاق العملية الديمقراطية، ودعا إلى وقف عسكرة الانتفاضة وإعادة إحياء المفاوضات، باعتبار أن ذلك يشكل الطريق الوحيد للتوصل إلى حل سياسي يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، ويساهم في تغيير صورته في نظر الرأي العام الدولي، ويوفر الدعم المادي له. ولم تمض سوى أسابيع قليلة على انتخابه حتى نجح، بعد سلسلة اجتماعات عُقدت في القاهرة ، في التوصل إلى تفاهم مع قيادة حركة "حماس "، ومع قيادات الفصائل الأُخرى، نص على التزام الكتائب الفلسطينية المسلحة بالامتناع عن القيام بعمليات عسكرية حتى نهاية سنة 2005، وبإجراء انتخابات محلية وتشريعية من دون تأخير، والبدء في محادثات من أجل ضم حركة "حماس" وحركة الجهاد الإسلامي إلى منظمة التحرير الفلسطينية. وعلى الرغم من المعارضة التي واجهها من داخل حركة "فتح"، التي شعرت بالضعف بعد افتقادها زعيمها التاريخي وقائد النضال الوطني الفلسطيني خلال عقود عديدة، وكانت تعصف بها الخلافات الداخلية، فقد أصرّ محمود عباس على إجراء الانتخابات التشريعية وعلى تعديل قانون الانتخابات. بينما شعرت حركة "حماس"، التي تعرضت بعد 11 أيلول 2001 إلى حملة استهداف إسرائيلية طالت العديد من قياداتها، وصُنفت حركة إرهابية، أن فرصتها تكمن، في ظل تصاعد شعبيتها وتردي أداء حركة "فتح" في السلطة، في تحصين نفسها بالشرعية الانتخابية وقررت دخول النظام السياسي عبر بوابة المجلس التشريعي. وجرت انتخابات المجلس التشريعي بالفعل، في 25 كانون الثاني 2006، وفازت فيها "قائمة التغيير والإصلاح" المحسوبة على حركة "حماس" بنسبة 57.6% من مقاعد المجلس، في حين لم تفز حركة "فتح" سوى بنسبة 32.6 % من مقاعده.

بيد أن تلك الانتخابات التشريعية، وبدلاً من أن تكون حلاً للأزمة التي كانت تواجهها السلطة الفلسطينية، جاءت نتائجها لتعمق الاستقطاب الثنائي بين حركتَي "فتح" و"حماس"، ولتغيّب إلى حد كبير القوى اليسارية، التي عجزت عن أن تشكّل قطباً ثالثاً على الساحة السياسية الفلسطينية. ومع أن الرئيس عباس كلف القيادي في "حماس" إسماعيل هنية تشكيل الحكومة الجديدة وفقاً للقانون الأساسي، إلاّ إن حكومته رفضت الاعتراف بـ "وثيقة الاستقلال"، التي أقرها المجلس الوطني الفلسطيني في مدينة الجزائر سنة 1988، وبجميع الاتفاقيات والمبادرات التي التزمت بها قيادة منظمة التحرير، بما فيها "مبادرة السلام" التي أقرّتها القمة العربية، بيروت، 2002 ، بينما رفضت قيادة "فتح"، لأسباب ذاتية واعتبارات خارجية (إسرائيلية ودولية)، المشاركة في مشاورات تشكيل الحكومة، والاتفاق على برنامج وزاري موحد وتقاسم الحقائب الوزارية، الأمر الذي كرّس حالة من ازدواجية السلطة على رأس هرم النظام السياسي الفلسطيني، سرعان ما تحوّلت إلى جولات من المواجهات العسكرية بين الحركتين في قطاع غزة، انتهت، في 15 حزيران 2007، بسيطرة حركة "حماس" الكاملة على القطاع.

مؤتمرا حركة "فتح" السادس والسابع

في 4-8 آب 2009، عقد المؤتمر العام السادس في مدينة بيت لحم ، ليكون المؤتمر الأول الذي تعقده الحركة في فلسطين، بمشاركة 2,352 مندوباً، من 80 دولة، دخل بعضهم الضفة الغربية المحتلة بتصريح إسرائيلي خاص. وانتخب ذلك المؤتمر لجنة مركزية جديدة مؤلفة من 18 عضواً لم تضم سوى اثنين من قياداتها التاريخية، إلى جانب رئيس الحركة محمود عباس، هما سليم الزعنون ومحمد غنيم ، بينما انضم إليها عدد كبير من "الحرس الجديد"، كان من ضمنهم مروان برغوثي وجبريل رجّوب ومحمد دحلان ومحمود العالول . وبينما عبّرت الصيغة الأولى للبرنامج السياسي، الذي أعلنه المؤتمر في 7 آب، عن المزاج السائد بين أكثرية مندوبيه، وذلك عبر ربط "خيار السلام" بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بجميع "الوسائل المشروعة بما فيها حقه في ممارسة الكفاح المسلح الذي يكفله القانون الدولي"، حدث في اليوم التالي تراجع عن هذه الصيغة، مرده ضغوط خارجية على الأرجح، إذ صدر عن المؤتمر توضيح من نقاط خمس، غابت عنه الإشارة إلى الكفاح المسلح، واكتفي بتأكيد حق المقاومة "بكافة أشكالها" للشعوب الخاضعة للاحتلال.

وفي أواخر تشرين الثاني 2016، عقد في مدينة رام الله المؤتمر العام السابع للحركة، فانتخب، في جلسته الأولى، محمود عباس "قائداً عاماً" لحركة "فتح" بالإجماع، كما انتخب لجنة مركزية من 18 عضواً لم تضم أحداً من القيادات التاريخية ومجلساً ثورياً من 80 عضواً، وانتخب محمود العالول نائباً لمحمود عباس. وكان من أهم الاعتبارات التي دفعت حركة "فتح" إلى عقد ذلك المؤتمر في ذلك التوقيت بالذات، هو الرغبة في تأكيد شرعية قيادتها وعلى رأسها محمود عباس، والرد على ضغوط بعض الدول العربية التي أرادت إعادة الشرعية إلى محمد دحلان داخل قيادة الحركة، وتأهيله عندما يحين الوقت لخلافة محمود عباس. وكان قد بدأ يبرز، عقب سيطرة حركة "حماس" على قطاع غزة، خلاف بين محمود عباس ومحمد دحلان، الذي اتهمته لجنة تحقيق، بصورة غير مباشرة، بالمسؤولية عن الهزيمة التي لحقت بحركة "فتح" في قطاع غزة، ثم تصاعد هذا الخلاف بعد تقديم لوائح اتهام بالفساد ضد دحلان، الذي صدر بحقه في 13 حزيران 2011 قرار بفصله من الحركة، ثم صدر قرار آخر في سنة 2012 برفع الحصانة النيابية عنه بصفته نائباً في المجلس التشريعي، وهو ما دفع هذا الأخير إلى تشكيل تيار "إصلاحي" باسم "فتح" مثّل أخطر انشقاق تشهده الحركة بعد الانشقاق الذي وقع في سنة 1983.

خاتمة

واليوم، وبعد أكثر من ستة عقود على تأسيسها، تقف حركة "فتح"، التي كانت رائدة النضال الوطني الفلسطيني المعاصر، على مفترق طرق؛ فرهانها على تحوّل سلطة الحكم الذاتي إلى دولة مستقلة تبدد؛ وسلطتها بقيت، مع تواصل الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة، منحصرة في معازل في الضفة الغربية المحتلة ومحكومة بإرادة الاحتلال. ومع ذلك تظل قاعدتها الشعبية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة هي الأوسع، كما تبيّن استطلاعات الرأي وانتخابات مجالس الطلبة، كما يظل نفوذها بين الفلسطينيين في دول الشتات هو الأكبر.

جدول الأحداث الكلي
E.g., 2024/12/15
E.g., 2024/12/15