تدوم حتى سنة 1914، وتشهد قدوم حوالي 40,000 مهاجر، يتميز العديد منهم بالتزام أيديولوجيّ قوي بـ
اتخذت الحركة الوطنية الفلسطينية عند نشوئها، في أعقاب الحرب العالمية الأولى ، شكل جمعيات إسلامية - مسيحية، ارتبطت بالحركة القومية العربية الجامعة التي جعلت من دمشق مركزاً لها، والتي جسّدت طموح العرب في المشرق العربي إلى التحرر والتوحد في إطار دولة واحدة. بيد أن الوعي القومي العربي في فلسطين صار يتطبع بطابع خاص نتيجة تنامي الشعور بمخاطر الهجرة والاستيطان اليهوديين، وخصوصاً بعد وصول "الموجة الثانية" من الهجرة اليهودية إلى فلسطين، في إثر تصاعد مشاعر "العداء للسامية" في روسيا . ومقارنة بسابقتها، تميّزت موجة الهجرة الثانية بالحملات التي نظّمها أعضاؤها لطرد العمال والفلاحين العرب من المستوطنات اليهودية ومقاطعة المنتوجات العربية، وذلك خلف شعارَي " احتلال الأرض" و"العمل العبري".
وقد تعمق هذا الوعي بالخطر الصهيوني نتيجة التجزئة التي فُرضت على المشرق العربي، وتوزّع الحركة القومية العربية الجامعة على حركات وطنية إقليمية. ففي
الموقف من مستقبل الوجود اليهودي في فلسطين
بقيت الحركة الوطنية الفلسطينية، طوال عهد الانتداب البريطاني، ترفض بحزم التداعيات التي نجمت عن
وكان المؤتمر السوري العام
، الذي جعل دمشق مقراً له وشارك فيه عدد من الممثلين الفلسطينيين، قد وجّه في مطلع تموز 1919، رسالة إلى
وفي أوضاع التجزئة الاستعمارية التي فُرضت على بلاد الشام ، طالب المؤتمر العربي الفلسطيني الثالث، الذي عُقد في مدينة حيفا في كانون الأول/ ديسمبر 1920 وكان إيذاناً بولادة الحركة الوطنية العربية الفلسطينية، بإقامة حكومة وطنية في فلسطين مسؤولة أمام مجلس نيابي، يتمثّل فيه سكان فلسطين بحسب نسبهم، بمن فيهم اليهود الذين كانوا يقيمون بفلسطين قبل الحرب العالمية الأولى، معرباً عن استيائه من الإدارة البريطانية لاعترافها بـاللجنة الصهيونية كهيئة رسمية و"شروعها بتنفيذ المآرب الصهيونية".
وفي 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 1935، قدم زعماء الأحزاب العربية مذكرة إلى المندوب السامي البريطاني تضمنت الدعوة إلى إقامة حكومة ديمقراطية، والوقف الفوري للهجرة اليهودية، وسنّ "تشريع يلزم جميع المقيمين الشرعيين بالحصول على بطاقات الهوية وحملها"، لكن من دون أن تحدد بوضوح ما الذي تعنيه بـ "المقيمين الشرعيين". وفي 23 تموز 1937، طالبت
وبقي هذا الالتباس في الموقف من مستقبل اليهود في فلسطين بارزاً في البيان الذي أصدرته "الهيئة العربية العليا "، في نيسان 1947، والذي دعا إلى حل قضية فلسطين بما يتفق مع "الميثاق العربي القومي "، و"الاعتراف للعرب بحقهم الشرعي في وطنهم واستقلالهم فيه أسوة بسائر البلاد العربية على أساس الديموقراطية وحماية حقوق الأقليات وفقاً لما تعارفت عليه المبادئ الديموقراطية". كما كان بارزاَ في الخطاب الذي ألقاه هنري كتن ، ممثل "الهيئة العربية العليا"، في 9 أيار/ مايو 1947 أمام اللجنة الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ أكد أن معارضة العرب للهجرة وإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين "لا تستند إلى أي تحيز عنصري ضد اليهود كيهود، ولكنها ستكون قوية بنفس القدر بغض النظر عن عرق أو دين أي مجموعة قد تحاول انتزاع البلاد من سكانها العرب أو فرض المهاجرين فيها ضد إرادة العرب"، ودعا فيه إلى الاعتراف "بحق فلسطين في الاستقلال وأن ينعم هذا البلد المعذب بمباركة حكومة ديمقراطية".
وبعد صدور قرار تقسيم فلسطين الدولي رقم 181، في 29 تشرين الثاني 1947، أعلنت "الهيئة العربية العليا" رفضها القاطع له من دون أن تقدم حلاً بديلاً يراعي التغيّرات العميقة التي تولدت عن الحرب العالمية الثانية ، والتي حوّلت المستوطنين اليهود في فلسطين إلى قوة سكانية وسياسية واقتصادية كبيرة، وخلقت أجواء من التعاطف الدولي الواسع معهم، وخصوصاً بعد المذابح الجماعية التي تعرضوا لها على أيدي النازية، معتبرةً أن قرار التقسيم "يعطي اليهود الأجانب جزءاً ثميناً من فلسطين، ويُجلي عدداً كبيراً من العرب عن موطنهم، كما يضع في فلسطين أمة غريبة تهدد الأمن في الشرق باعتدائها على البلاد العربية".
ولم يتصدّ للمسألة اليهودية من جوانبها كافة، قبل وقوع النكبة، إلاّ الشيوعيين العرب في إطار "عصبة التحرر الوطني في فلسطين
"، الذين انطلقوا من أن هذه المسألة نجمت عن "نجاح
وبعد صدور القرار 181، في 29 تشرين الثاني 1947، واندلاع الصدامات الدموية بين العرب واليهود، حذرت "عصبة التحرر الوطني" من تداعيات هذه الصدامات السلبية على النضال من أجل الحفاظ على وحدة فلسطين، ثم وافقت أغلبية أعضاء العصبة في المؤتمر الذي عُقد في مدينة الناصرة ، في شباط/ فبراير 1948، على قرار تقسيم فلسطين الدولي، متساوقة بذلك مع الموقف السوفياتي المؤيد لذلك القرار. ومع أن العصبة أعربت عن قناعتها بأن قرار التقسيم لا يقدم الحل الأمثل للقضية الفلسطينية، إلاّ إنها رأت فيه خطوة مهمة على طريق جلاء الجيوش البريطانية عن فلسطين وإلغاء الانتداب.