جدول الأحداث الكلي

جدول الأحداث الكلي

Highlight
القدس
تغيير استعماري لمدينة روحية

القدس هي العاصمة الروحيّة والسياسيّة للشعب الفلسطيني، ويعزِّز تاريخ المدينة وثقافتها وموقعها الجغرافي أهميّتها الكبرى بالنسبة إليه، فليس من المستغرب والحال هذه أن تكون السيطرة عليها من المعالم الرئيسيّة في الصراع بين الصهيونية والحركة الوطنيّة الفلسطينيّة خلال القرن الماضي.

ترجع الأهميّة الروحيّة للمدينة بالنسبة إلى الفلسطينيّين، إلى مركزيّتها وأهميّتها في كلّ من الإسلام والمسيحيّة، فهي تأتي -بعد مكة المكرّمة والمدينة المنوّرة - المكان الثالث الأقدس على وجه الأرض، ليس للمسلمين الفلسطينيّين فحسب، بل للمسلمين أجمعين. كما أن القدس أولى القبلتين، أي أنّ المسلمين كانوا يصلّون قِبَلَها في البداية. وهي موطن الإسراء والمعراج، ليلة صعود النبي محمد المعجزة إلى السماء، التي ربط خلالها فرسه البراق في مكان قريبٍ مما يعرف في وقتنا بـ الحرم الشريف ، الذي يضمّ اثنين من الأماكن الإسلاميّة الأكثر قداسة في المدينة، وهما المسجد الأقصى وقبة الصخرة . كما تضمّ القدس المكتبات الإسلاميّة، والأوقاف، ومساجد أصغر، ومقابر تاريخيّة، مثل مقبرة مأمن الله (ماميلا).

وبالنسبة إلى المسيحيّين الفلسطينيّين، وغيرهم من المسيحيّين حول العالم، ترتبط القدس بحياة المسيح وموته وقيامته، حيث كان يسوع يتعبّد، كما يُعتقد، في الهيكل العبري القديم في القدس، وتقع كنيسة القيامة فوق المكان الذي تم فيه صلبه وقيامته. أما جبل الزيتون ، فهو المكان الذي صعد منه المسيح إلى السماء، كما يقترن جبل صهيون في المدينة بالعشاء الأخير، فضلاً عن رقاد مريم العذراء ورفعها إلى السماء بعد موتها. وتُفاخِر المدينة بعدد من الكنائس الأخرى والمؤسّسات المسيحيّة التي تعود إلى عدد من الطوائف المسيحيّة المختلفة.

تمثّل مدينة القدس أيضاً أهميّة روحيّة للإسرائيليّين ويهود العالم، ما ساهم في مركزيّة الصراع العربيّ- الإسرائيليّ حولها. كانت المدينة عاصمة المملكة العبريّة القديمة، وكانت منطقة الحرم الشّريف موطناً لـ معبد هيرودس (المعبد العبراني الثاني) الذي تم بناؤه فوق المكان الذي يَعتقد اليهود (والمسيحيّون) أنّ الله أمر إبراهيم بالتضحية بابنه إسحق فيه. ويمثّل الحائط الغربي ، الذي يشكّل اليوم الزاوية الجنوبيّة الغربيّة من الحرم الشّريف، كلّ ما تبقّى من الجدار الاستناديّ للمعبد الثاني وقد أصبح مكان الحجّ والصلاة اليهوديّين ابتداء من القرن السادس عشر. أما قبله فكان اليهود يصلون في جبل الزيتون. والقدس هي موطن للكُنُس والمدارس الدينيّة وغير ذلك من المؤسسات الدينيّة اليهوديّة، كما يجلّ اليهود مقبرة جبل الزيتون ويعظّمونها كأقدم مقبرة يهوديّة في العالم.

وللقدس بالنسبة إلى الفلسطينيّين أيضاً أهمية جغرافيّة وثقافيّة وسياسيّة بالغة، إذ تقع المدينة وسط فلسطين، على مفترق طرق عدد من أهم مدن التجارة والصناعة التقليديّين، مثل: الخليل ونابلس ويافا والمناطق الواقعة شرقي نهر الأردن . كما يوجد في المدينة العديد من أبرز مدارس فلسطين الحديثة والجمعيّات الأدبيّة والمكتبات.أما من الناحية السياسيّة، فقد شكلت منطقة القدس ومركزها الإداري مدينة القدس، منذ سنة 1872 وحتى نهاية العهد العثماني، سنجقاً عثمانيّاً مستقلاً، أي كانت تتبع إسطنبول مباشرة. وأصبحت القدس كذلك عاصمة الإدارة البريطانيّة في فلسطين خلال فترة الانتداب (1922-1948). وقد انحدر العديد من أبرز الشخصيات القياديّة السياسيّة خلال العهد العثمانيّ والانتداب من المدينة، من عائلات الدجاني، وجارالله، والخالدي، والعلمي، والحسيني، والنشاشيبي... وغيرها. وتمحورت أهمّ الهيئات الوطنيّة والدينيّة الفلسطينيّة في عهد الانتداب حول سياسيّين من المدينة، بما في ذلك اللجنة التنفيذية العربية ، والمجلس الإسلامي الأعلى ، و اللجنة العربية العليا . وكانت القدس أيضاً مكان تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1964، التي نصّ بيانها التأسيسي للاستقلال الفلسطيني في العام 1988، على أنّ المدينة ستكون عاصمة الدولة الفلسطينيّة.

تأثّرت القدس بشدة جرّاء الصهيونيّة والصراع العربيّ- الإسرائيليّ، فبدعم الحركة الصهيونية العالمية نما عدد السكان اليهود في المدينة في القرن العشرين بشكل ملحوظ، وكانوا في معظمهم سابقاً، خلال العهد العثمانيّ، من اليهود الشرقيين (الشرق أوسطيين، والشمال أفريقيين) ومن السفارديم (من الذين طردوا من إسبانيا نهاية القرن الخامس عشر)، والذين عاشوا في المدينة لفترات طويلة، ومن اليهود الأشكناز المتديّنين (المنحدرين من أصول أوروبية)، الذين انتقلوا إلى المدينة المقدّسة في فترة متأخرة لأسباب دينيّة. في سنة 1922، أحصى البريطانيّون 33,971 يهوديّاً و28,112 فلسطينيّاً في المدينة. ومع نهاية الأربعينات بلغ عدد سكان المدينة ما يقارب 97 ألف يهودي و61 ألف فلسطيني. من الضروري الانتباه إلى أن هذه الأعداد تتعلق بالحدود الإدارية التي قرّرها البريطانيون للمدينة وفق اعتبارات تنمّ عن نوع من التلاعب: فقد حرص البريطانيون على إدخال كل حيّ يهودي ضمن حدود المدينة حتى لو كان يبعد عنها بمسافة تبلغ عدة كيلومترات، وعلى إخراج أحياء عربية من حدود المدينة حتى لو كانت قريبة جداً منها.

الهجرة الصهيونيّة وشراء الأراضي في جميع أنحاء فلسطين أشعلا التوترات السياسية والعرقيّة - الدينيّة بين اليهود والعرب، وأديا في بعض الأحيان إلى حالات من العنف في المدينة، كان أبرزها اضطرابات البراق  في آب/ أغسطس سنة 1929. وخلال الثورة الفلسطينية الكبرى  سنة 1936 ضد البريطانيّين والصهاينة في فلسطين، تمكّن المقاتلون الفلسطينيّون لفترة قصيرة، من الاستيلاء على البلدة القديمة في القدس في تشرين الأول/ أكتوبر 1938.

غيّرت حرب عام 1948 المدينة بشكل جذريّ، حيث دارت فيها معارك عنيفة، وخصوصاً بين الجيش الإسرائيلي والفيلق العربي في شرق الأردن الذي دخلها في 18 أيار/ مايو 1948، لتستسلم القوات الإسرائيليّة في الحي اليهودي من البلدة القديمة بعد عشرة أيام. وعلى الرغم أنّ قرار التقسيم رقم 181 الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، دعا إلى أن تصبح المدينة منطقة دولية، فإن الأمر انتهى بسيطرة إسرائيل على الجزء الغربي من المدينة، بينما سيطر الأردن على البلدة القديمة وبقية القدس الشرقية . ونتيجة لحرب عام 1948، نزح حوالى 60 ألف فلسطيني أو طردتهم القوات الإسرائيلية من منازلهم في القدس. وكانت النتيجة أنّ أحياء القدس الغربية ، مثل البقعة والطالبية والمصرارة وأبو طور والكولونية الألمانية والقطمون قد تم إخلاؤها إلى حد كبير من سكانها الفلسطينيّين قبل الحرب، في حين لم يبقَ أحد من اليهود في القدس الشرقية التي سيطر عليها الأردن.

ومرة أخرى، أحدثت حرب عام 1967 تغييرات عديدة في القدس، بعد استيلاء المظليّين الإسرائيليّين على البلدة القديمة في 7 حزيران/ يونيو 1967 إثر قتال عنيف مع الفيلق العربي، حيث دمروا في اليوم التالي أكثر من مائة منزل، ما تسبب بتشريد أكثر من 600 فلسطيني من حارة المغاربة ، وكان الهدف إفراغ ساحة كبيرة أمام حائط المبكى للسّياح والمصلّين اليهود.

في 28 حزيران 1967، اعتمدت إسرائيل تشريعاً لضمّ القدس الشرقية وتوحيدها تحت سلطة إدارة مدينة القدس الغربيّة، وجرى توسيع كبير لحدود البلدية الجديدة والموحّدة، من أجل ضم المزيد من الأراضي التي يمكن توطين اليهود فيها، وبناء عليه تمّ طرد الفلسطينيّين المقيمين في الحيّ اليهوديّ كي تتم إعادة بناء حي لليهود فقط في البلدة القديمة.

مَنَحَ الانتصار الساحق والسريع على دول عربية ثلاث واحتلال القدس، دفعة هائلة للصهيونية الدينية، التي اعتبر أتباعها أن الحدثين يشكلان علامة على مجيء المسيح، الذي يُنظر إليه في عقيدتهم كواجب إلهي، من خلال "خلاص" القدس و"أرض إسرائيل " بكاملها وإقامة مستعمرات يهودية.

وخلال السنوات اللاحقة، وبالإضافة إلى الاستيطان في البلدة القديمة، تم بناء مستعمرات يهوديّة واسعة في ضواحي القدس، مثل التلة الفرنسية ، رامات إشكول ، معالوت دفنا ، راموت ، النبي يعقوب ، بسغات زئيف . وفي السنوات الأخيرة، بدأت منظمات استيطانيّة يهوديّة بالانتقال إلى الأحياء الفلسطينيّة واحتلال شقق وأبنية فيها، كما هو الحال في سلوان ، ورأس العامود ، والشيخ جرّاح ، إضافة إلى مستعمرات أخرى أقيمت في المحيط الخارجي للقدس، من أجل تطويق شرقي القدس العربيّ بمجتمعات يهوديّة فقط، مثل جيلو ، وجفعات زئيف ، ومعاليه أدوميم .

وبالترافق مع النشاطات الاستيطانية، حاولت السلطات الإسرائيليّة خفض عدد فلسطينيّي المدينة، من خلال إهمال الخدمات البلديّة في الأحياء العربية، والامتناع عن إعطاء تصاريح البناء، ومصادرة أو رفض تجديد وثائق الهويّة المقدسيّة لسكان القدس، والتهمة الجاهزة كانت على الدوام عدم العيش داخل حدود المدينة لفترات كافية من الزمن. وأخيراً، تسبب بناء الجدار العازل وتشديد القيود المفروضة على حركة الفلسطينيّين بين الضفة الغربية والقدس، في قطع العديد من الشبكات الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي تربط الفلسطينيّين في موقع بالموجودين في المواقع الأخرى.

يَعتبر كلٌّ من الإسرائيليّين والفلسطينيّين القدسَ عاصمتهم، مع مطالبة منظمة التحرير بالقدس الشرقيّة فقط في هذا الصدد، لكن اتفاقية أوسلو (1993) سمحت ببقاء القدس كلها في أيدي الإسرائيليّين، وأجّلت نقاش وضعها إلى ما يسمى مفاوضات "الوضع النهائيّ"، التي لم تبدأ بشكل جديّ حتى اليوم، ومع انهيار المفاوضات منذ عام 2000 ظلّت المدينة في أيدي الإسرائيليّين. وفي غضون ذلك، يتحمّل المقدسيّون الفلسطينيّون وطأة السياسات الهادفة إلى تهميشهم وتهجيرهم وفصلهم عن فلسطينيّي المناطق الأخرى.

جدول الأحداث الكلي
E.g., 2024/11/27
E.g., 2024/11/27