جدول الأحداث الكلي

جدول الأحداث الكلي

Highlight
الرواية الفلسطينية
أدب المضطهَدين في جغرافيا مشتَّتة

على خلاف الشعر الفلسطيني، الذي صعد في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، ممثلاً بقصائد مطلق عبد الخالق وأبي سلمى(عبد الكريم الكرمي ) وإبراهيم طوقان ، لم تظهر الرواية، في شكلها الحديث، إلاّ مع رواية جبرا إبراهيم جبرا "صراخ في ليل طويل"، التي كتبها في القدس سنة 1946. أعطى جبرا الشاب عملاً طليعياً متميزاً، بالمعايير الفنيّة جميعها، لا يزال يحتفظ بتميزه إلى اليوم.

كان بعض الكتاب الوطنيين حاول، بعد وعد بلفور ، تقديم رواية تربوية تحريضية، في مواجهة الانتداب البريطاني والمشروع الصهيوني. ولهذا وضع نجيب نصّار (1873- 1948)، مؤسس جريدة "الكرمل " سنة 1908، روايتين تعليميتين هما "في ذمة العرب"  و"وفاء العرب"، أعلى فيهما من شأن القيّم الفاضلة، وحاول توظيفها في مشروع وطني مقاوم. وكذلك المؤرخ محمد عزة دروزة (1887- 1984) الذي كتب، مؤمناً بماضٍ عربي مجيد، رواية مدرسية عنوانها "وفود النعمان على كسرى أنو شروان"، طبعها في بيروت سنة 1911، وألحقها بعد عامين برواية "السمسار وبائع الأرض" التي يشير عنوانها إلى رسالتها.

بيد أن ما يلفت النظر، في الفترة الزمنية التي سبقت عمل جبرا إبراهيم جبرا التأسيسي، ماثل في محاولة قام بها نجيب نصّار في كتابه "مفلح الغساني"، احتضنت ما يشبه سيرة ذاتية محدّدة الزمن، سرد فيها المؤلف ما عاناه من العثمانيين. وهناك رواية إسحق موسى الحسيني (1904- 1991) "مذكرات دجاجة" (1943) التي قدّم لها طه حسين وظهرت في مصر ، أكثر من مرة. ذهب نجيب نصّار إلى روايته مدفوعاً بما قرأ من روايات إنكليزية، بلغة شكسبير كما قال، مسجّلاً وقائع هربه من العثمانيين الذين حكموا عليه بالإعدام. أما رواية الحسيني، فهي عمل أدبي يثير التساؤلات وكثيراً من الفضول، أراد الحسيني منها "أمثولة أدبية"، ليست بعيدة عن "كليلة ودمنة"، مؤكداً قيمة التسامح الإنساني، وواضعاً "تآزر البشر" فوق الأمور الدنيوية "العارضة".

إلى جانب الترجمة والقصة القصيرة والنقد التشكيلي، واظب جبرا إبراهيم جبرا (1920- 1994) على الكتابة الروائية في منفاه العراقي جاعلاً من القدس - أجمل مدن الدنيا كما كان يقول - محوراً لأعماله، بدءاً من روايته "صيادون في شارع ضيق"، إلى عمله الأكثر طموحاً "البحث عن وليد مسعود"، مروراً بإنجازه الروائي الأكبر "السفينة"، وهي إحدى الروايات الأكثر تكاملاً في تاريخ الرواية العربية الحديث. أرست هذه الروايات هويته الفلسطينية- الروائية بوضوح لا مزيد عليه، ما جعل أعماله اللاحقة إضافات محدودة القيمة بما في ذلك عمله المشترك مع عبد الرحمن منيف "عالم بلا خرائط".

وإذا كان جبرا قد قيد نفسه إلى فلسطيني فائق الصفات، ينتظر انتصاراً أكيداً، وإلى منظور رومانسي قوامه فرد متفوّق لا يشبه غيره، فإن غسان كنفاني (1936- 1972)، الذي مارس بدوره المقالة والمسرحية والقصة القصيرة، ذهب إلى طريق مغاير. أراد كنفاني رواية "واقعية مئة في المئة"، كما كان يقول، فوصف مآسي الخروج وعثار اللاجئين في مخيماتهم، ومسارهم السائر، بالضرورة، من "الكمون إلى اليقظة"، ولاحق شكلاً روائياً متغيراً يرصد الحالة الفلسطينية كما هي قائمة، وكما يجب أن تكون. ولعل قلق الشكل، الذي لازم تجربته القصيرة، كان وراء رواياته التي لم تكتمل، مثل رواية "العاشق"، و"الأعمى والأطرش"، و"برقوق نيسان". ومهما تكن قيمة إنجاز الروائي، تظل روايته "رجال في الشمس" (1963) هي العمل الأكمل، والوحيد، الذي قبض على عمق المأساة الفلسطينية، متخذاً من مقولة "العار" مجازاً، قرأ به أحوال الفلسطينيين الذين رضوا بالرحيل عن وطنهم، ومهما تكن أحوال "الرحيل" وأسبابه، السؤال الذي عالجه لاحقاً في رواية جريئة المقاربة هي: "عائد إلى حيفا ".

جسد جبرا روائياً، لاجئاً فلسطينياً يضمن تفوّقه الروحي عودة أكيدة إلى الوطن السليب وبحث كنفاني عن ضمان عملي، قوامه الفعل والإرادة والوعي الصحيح، مثل حال "أم سعد" الفقيرة الصامدة، التي كرّس لها رواية تحمل اسمها، البعيدة عن المرأة الخانعة التي وصفها في روايته "ما تبقى لكم". أما إميل حبيبي ، المَعْلم الثالث، فوصل إلى الرواية عن طريق الصدفة، إن صح القول، مستفيداً من عمله الصحفي، الذي لازم "التزامه الحزبي" كعضو في الحزب الشيوعي . لم يعرف إميل، الذي بقي في فلسطين، تجربة اللجوء، وعاش تجربة "الوطن المصادَر"، التي سجلها في "سداسية الأيام الستة"، العمل الذي كتبه بعد هزيمة حزيران/ يونيو 1967، إذ كل قصة تفضي إلى غيرها، تكملها وتستكمل بها، في أسلوب أدبي يجمع بين المرارة والسخرية. ولعل منهج القصة القصيرة، المتوالدة في غيرها، هي أوصلته في منتصف السبعينيات اللاحقة، تقريباً، إلى عمله الشهير: "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل"، الذي اتكأ فيه على عمل فولتير الشهير "كانديد"، واستفاد من مقامات الهمذاني والحريري، ومن معرفة غزيرة بالتراث والتاريخ العربيين. وإذا كان جبرا قد رأى هوية الفلسطيني في "تفوقه الواسع"، فقد قرأ إميل سؤال الهوية في جمالية اللغة العربية، أكان ذلك في عمله الأدبي الصغير "لكع بن لكع"، أو في عمله الأخير "سرايا بنت الغول"، الذي انطوى على سيرة ذاتية مكسوة بالحنين والأسى الشديد.

أنتج الكفاح المسلح الفلسطيني رواية تحتفي به وتعد بنصر قريب، بدءاً من غسان كنفاني وصولاً إلى جيل لاحق تمثّل بـيحيى يخلف ، في رواياته المتلاحقة. غير أن المنظور المتفائل، القريب من الشعارات السلطوية، لم يعمر طويلاً، بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت، فظهر منظور روائي نقدي متشائم، تجلى في عملين لـسحر خليفة هما "باب الساحة"، التي تأملت الانتفاضة  عام 1987، قبل أن تسخر من القيادة السياسية الفلسطينية في رواية "الميراث".

أفضى الخروج من بيروت، كما اتفاقية أوسلو ، إلى "تحرر الرواية الفلسطينية"، فجاءت سامية عيسى بنقد أقرب إلى الهجاء في عملَيها "حليب التين" و"خلسة في كوبنهاغن "، وكذلك مايا أبو الحيّات في "لا أحد يعرف زمرة دمه". وصل حسين برغوثي (1954- 2002) المبدع المتعدد الصفات، الذي عايش ما بعد أوسلو إلى رواية رثائية تبكي فلسطين التي لن تعود، وذلك في عملين أقرب إلى الفرادة هما: "الضوء الأزرق"، و"سأكون بين اللوز".

وإذا كان الصعود الوطني الفلسطيني، بعد سنة 1965، حرّض على الكتابة الروائية، فإن الإحباط الذي وقع على الفلسطينيين، في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، اختصر تلك الرواية في أعمال قليلة. وما أن استقروا في وضع يتوزّع على اليأس والأمل حتى ولدت أصوات روائية جديدة، تقرأ الحاضر بلا "شعارات"، وتلتفت إلى الوراء باحثة عن هوية وطنية "واضحة" يصعب، اليوم، بناؤها. كتب أكرم مسلّم عن اغتراب الإنسان في زمن "السلطة الموقتة" عملاً ممتازاً عنوانه: "العقرب الذي يتصبب عرقاً"، ونقد عاطف أبو سيف ما وصلت إليه اليوم غزة في روايته "حياة معلّقة"، واستذكر الفلسطيني المقيم في دمشق حسن حميد القدس في "مدينة الله"، ورسم ربعي المدهون الراهن الفلسطيني، كما هو، من دون زيادة أو نقصان، في "سيدة من تل أبيب " و"مصائر"، اللتين ساءلتا الأفق الوطني الفلسطيني، وعاد محمود شقير إلى شيء من الماضي في "مديح لنساء العائلة"، وشاء يحيى يخلف أنا يضيء الحاضر بدرس من الماضي، فعاد إلى يافا 1795، في "راكب الريح".

ولا تمكن قراءة الرواية الفلسطينية اليوم، من دون التوقف أمام أمرين: الشتات الواسع الذي يعيشه الفسطينيون، وغياب المؤسسة التعليمية- الثقافية الجامعة، ذلك أن صعود الجنس الروائي ارتبط، تاريخياً، بنشوء الدولة الوطنية وتطورها، فقد رحل غسان كنفاني في بداية مساره الروائي ولم يتح لجبرا إبراهيم جبرا أن ينشئ مع غيره تصوراً روائياً للعالم، وبقي إميل حبيبي مع تجريبه الروائي القائم على "الإبداع اللغوي". إن غياب المؤسسة الثقافية الفلسطينية "الموحِّدة"، حاصر تكامل الجهود، ووزع الرواية على جهود مفردة، أكانت داخل "فلسطين المحتلة" أو خارجها.

ولهذا لم تعرف الرواية الفلسطينية ظاهرة "ما قبل جبرا وبعده"، حال الرواية المصرية التي اتكأت على نجيب محفوظ وامتدت في أعمال غيره مثل جمال الغيطاني وبهاء طاهر ورضوى عاشور ، ومحمود الورداني الذين أعادوا كتابة رواية نجيب محفوظ بأشكال مختلفة. كما منع زمن المنفى وحدة المكان الفلسطيني مقارنة بالرواية اللبنانية، على سبيل المثال، التي عالجت موضوع الحرب الأهلية متخذة من بيروت مركزاً، أكان ذلك في أعمال هدى بركات وإلياس خوري أو في أعمال ربيع جابر ، فعلى خلاف ذلك توزعت الأقدار الفلسطينية، روائياً، على الكويت وبغداد وبيروت ودمشق، وعلى منافي لم تهجس بها الرواية العربية أبداً. بل أن في القدر الفلسطيني ما أجبر الروائيين على محاولة "أدب المضطهَدين"، الذي يأمر، بالضرورة، بمنظور متفائل، لا يتفق مع التصور الروائي للعالم، الذي ينوس بين الاغتراب والضياع ومواجهة عالم متهدم لا يمكن التعايش معه.

جدول الأحداث الكلي
E.g., 2025/01/19
E.g., 2025/01/19

الحكم العثماني

1500

1600

1700

1800

1810

1820

1830

1840

1850

1860

1870

1880

1890

1900

1901

1902

1903

1904

1905

1906

1907

1908

1909

1910

1911

1912

1913

1914

1915

1916

الاحتلال البريطاني وعهد الانتداب المبكر

1917

1918

1919

1920

1921

1922

1923

1924

1925

1926

1927

1928

1929

1930

1931

1932

1933

1934

1935

عهد الانتداب المتأخر

1936

1937

1938

1939

1940

1941

1942

1943

1944

1945

1946

حرب فلسطين والنكبة

1947

1948

1949

ارتدادات حرب فلسطين

1950

1951

1952

1953

1954

1955

1956

1957

1958

1959

1960

1961

1962

1963

1964

1965

صعود الحركة الوطنية الفلسطينية

1966

1967

1968

1969

1970

1971

1972

بعد حرب سنة 1973: سلام منفصل وحرب أهلية

1973

1974

1975

1976

1977

1978

1979

1980

1981

منظمة التحرير الفلسطينية: هزيمة، وانشقاقات، وبقاء

1982

1983

1984

1985

1986

الانتفاضة الأولى والمفاوضات الاسرائيلية - الفلسطينية

1987

1988

1989

1990

1991

1992

مسار أوسلو: نحو الفشل

1993

1994

1995

1996

1997

1998

1999

الانتفاضة الثانية وحقبة ما بعد عرفات

2000

2001

2002

2003

2004

2005

فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية والاعتداء عليه

2006

2007

2008

2009

2010

2011

2012

2013

2014

2015

2016

أمام مأزق يزداد استعصاء، فلسطين إلى أين؟

2017

2018

2019

2020