جدول الأحداث الكلي

جدول الأحداث الكلي

Highlight
الغائبون الحاضرون في إسرائيل
منفيّون داخل وطنهم

لم تتسبب إقامة دولة إسرائيل سنة 1948 في طرد ما يقارب 750 ألف فلسطيني خارج حدود وطنهم فحسب، إنما أدت أيضاً إلى نزوح أو تهجير آلاف الفلسطينيين عن قراهم الأصليّة مع بقائهم داخل حدود "دولة إسرائيل" ومنعهم من العودة إلى قراهم بعد انتهاء الحرب. يُطلق على هذه الفئة اسم "مهجّري الداخل" أو "الغائبين الحاضرين". لا يمكن اعتبار قضية الغائبين الحاضرين مجرّد مسألة قضائية أو نتيجة حتمية تقع في زمن الحرب، وذلك بأن استمرارها، حتى يومنا هذا، مرتبط  بشكل وثيق بقضيّتي السيطرة والاستيطان وهما من السمات الرئيسية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

تتناول هذه الورقة التعريف بهذه الفئة من الشعب الفلسطيني، متطرّقة إلى المعطيات الديموغرافية المتوفرة حولها، والمناطق التي هجّروا منها وتلك التي لجأوا إليها. كما تتطرّق إلى السياسات الإسرائيلية تجاهها وتعريفها القانوني وتتوقف عند سبل مقاومة المهجّرين أنفسهم لهذه السياسات.

لا يوجد، حتى اليوم، تعريف رسمي للمهجّرين الفلسطينيين داخل حدود دولة إسرائيل. فمعظم الدراسات تتبنّى مصطلح "المهجّرون الفلسطينيون في إسرائيل" للإشارة إلى مجموعتين من "الغائبين الحاضرين": مهجّرو سنة 1948، ومهجّرو ما بعد 1948. تشمل الفئة الأولى مَن نزحوا عن قراهم خلال أحداث النكبة وبقوا في حدود دولة إسرائيل، وهم يشكلون المجموعة الكبرى. وتشمل المجموعة الثانية الفلسطينيين الذين تم ترحيلهم  بالقوة عن قراهم، أو عن القرى التي لجأوا إليها، في السنوات الأولى التي تلت انتهاء العمليات الحربية.

لا تتوفر بيانات شاملة ومنهجيّة أو رسميّة عن هذه الفئة من الفلسطينيين، ولا تجمع الدراسات القليلة نسبياً التي تطرّقت إلى تقدير عددها باتباع منهجيات مختلفة، على تقدير معين. وتفيد تقديرات مبنيّة على نشرات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى - الأونروا، بوجود 46 ألف مهجّر سنة 1950، تشكّل نسبة 25- 30٪ من السكان الفلسطينيين الذين بقوا في المناطق التي سيطرت عليها إسرائيل. بينما تشير بعض التقديرات المبنيّة على مصادر أرشيفية (إسرائيلية ومسوحات بريطانية من فترة الانتداب)إلى أن عدد مهجّري الداخل، في نهاية سنة 1949، تراوح بين 12 و15 ألف نسمة، وهو عدد مثّل في حينه نسبة تتراوح بين 5٪ و7٪ من المجتمع الفلسطيني في إسرائيل. وتشير تقديرات أخرى ترتكز أيضاً على المصادر ذاتها، إلى أن عدد هذه الفئة من الفلسطينيين (في منطقتي الجليل و المثلّث ) كان يقدّر في بداية الخمسينيات، بـ23 ألف مهجّر وكانون يمثلّون ما نسبته 15٪ تقريباً من مجمل السكان الفلسطينيين (من غير سكان منطقة النقب ).

تزيد صعوبة التقديرات أكثر في حالة الفئة الثانية من المهجّرين، تلك التي هجرّت بعد انتهاء الحرب، وذلك لعدم توفر بيانات تفصّل أعداد من طُرد منهم خارج الحدود ومن طُرد إلى قرى ومدن داخل حدود إسرائيل. ولكن من المعروف أنها تشمل قرى الحزام الأمني، بدو الجليل الأسفل، جزء من سكان المثلث، بالإضافة إلى العشائر البدوية في النقب.

وتجدر الإشارة إلى أن من أصل 162 قرية هُدمت كلياً في منطقتي الجليل والشمال وأُفرغت من سكانها، هُجِّر جميع أهالي 118 قرية إلى خارج الحدود. وبخصوص أهالي القرى الـ44 المتبقية، نلاحظ الآتي: نسبة ضئيلة (بين %1 و17٪) من أهالي 33 قرية بقيت ضمن حدود الدولة، في حين أن معظم أهالي 11 قرية (مثل المجيدل ؛ الدامون ؛ البروة ؛ إقرت ؛ كفر برعم ) بقيوا فيما أصبح دولة إسرائيل ولجأوا في معظمهم إلى 47 قرية عربية مجاورة من أصل 69 قرية عربية بقيت قائمة بعد النكبة (هذا بالإضافة إلى مدن الساحل). ويشكّل المهجّرون في بعض هذه القرى نسبة عالية من السكان.

من المفيد هنا الإشارة إلى تعريف مهجّري الداخل المعتمد في نشرة "المسح الاجتماعي- الاقتصادي للفلسطينيين في إسرائيل" الذي تجريه جمعية الجليل دورياً منذ سنة 2004. يتضمن المسح جدولاً خاصاً بالمهجّرين، ويعرّفهم كالتالي: "المهجّرون هم الفلسطينيون الذين أجبروا على ترك بيوتهم، والانتقال الى أماكن إقامة أخرى داخل إسرائيل، نتيجة لحرب و/ أو نتيجة لسياسات الحكومات الإسرائيلية أو غيرها. وتعريف التهجير يشمل المهجّرين وعائلاتهم، ويورَّث من خلال ذريّات الذكور. ولا يشمل هذا التعريف الفلسطينيين الذين هجّروا من قراهم وعادوا إليها لاحقاً، على الرغم من أن قانون الغائب الحاضر لا يزال سارياً عليهم حتى يومنا هذا." وبحسب هذا التعريف تقّدر نسبة المهجّرين من إجمالي السكان الفلسطينيين سنة 2015 بـ14,1٪، مع أن التعريف الذاتي للأفراد يشكّل عائقاً إضافياً لتقدير نسبة المهجّرين اليوم، ففي استطلاع أُجري سنة 2005، تبيّن أن هناك من لا يعرّف نفسه مهجّراً حتى لو كان والده، أو كلا والديه، من المهجّرين. كما أن عدداً معيناً (وإن كان ضئيلاً) يعرّف نفسه كمهجّر حتى لو كانت الوالدة فقط من المهجّرات.

إن استمرار حالة المهجّرين داخلياً إلى يومنا هذا يعود إلى عزم السلطات الإسرائيلية على إبقاء أراضي القرى العربية المهجّرة تحت سيطرتها المباشرة والحؤول دون عودة المهجّرين إليها. ومن أجل تثبيت واقع استيلائها، اتَّخذت تلك السلطات سلسلة من الإجراءات التشريعية فور الاستقرار النسبي للأحوال العسكرية أواخر سنة 1948، منها:

- أنظمة الطوارئ (استعمال الأراضي البور) لسنة 1948 : خوّلت وزير الزراعة وضع الأرض تحت تصرّفه لاستغلالها زراعياً لفترة ٣٥ شهراً، وذلك في حال لم يثبت صاحب الأرض أنه بدأ بزرعها واستعمالها لأهداف الزراعة.

- أنظمة الطوارئ بشأن أملاك الغائبين لسنة 1948 : وضعت هذه الأنظمة كل ما يملكه اللاجئون والمهجّرون من أملاك تحت تصرّف حارس أملاك الغائبين .

- المادة 125 من أنظمة الدفاع (الطوارئ) لسنة 1945 : جرى الاستناد إلى هذا النظام للإعلان عن مناطق مختلفة مناطق عسكرية مغلقة، والحؤول دون عودة المهجّرين إليها.

- أنظمة الطوارئ (المناطق الأمنيّة) لسنة 1949 : خوّلت وزير الدفاع صلاحية الإعلان عن مناطق متاخمة للحدود (المنطقة المحميّة) كمناطق أمنية.

- قانون أملاك الغائبين لسنة 1950 : حلّ هذا القانون الذي سنّه الكنيست محل أنظمة الطوارئ بشأن أملاك الغائبين لسنة 1948 لتثبيت الطابع القانوني للاستيلاء الدائم على أملاك اللاجئين. وتم تعريف الغائب بطريقة تؤدي إلى تعريف أي عربي غادر مقر إقامته أثناء الحرب كـغائب، حتى لو بقي ضمن حدود الدولة الجديدة، الأمر الذي يفسّر إطلاق اسم "قانون الغائب الحاضر" على هذا القانون. على كل حال، شرعن القانون سلب ما يزيد عن مليون دونم من أراضي العرب الذين بقوا في إسرائيل بعد قيامها. من جهة أخرى، ألقى القانون على من يعترض على وصفه بالغائب عبء إثبات أنه لم يكن غائباً. كما حوّل القانون أملاك الغائبين إلى حارس أملاك الغائبين، وخوّله نقل ملكيتها إلى جهة واحدة فقط، وهي سلطة التطوير.

- قانون سلطة التطوير (نقل الملكية) لسنة 1950 : أتى هذا القانون مباشرة بعد قانون أملاك الغائبين، وأنشأ سلطة التطوير، وهي وكالة شبه حكومية مُنحت صلاحيات واسعة تشمل شراء الأراضي واستئجارها واستبدالها أو التصرّف فيها تصرّف المالك، بما في ذلك بيعها، شرط أن يكون البيع للدولة، أو لـ الصندوق القومي اليهودي ، او لسلطة محلية. في 29 أيلول/ سبتمبر 1953، حوّل الحارس كل الممتلكات التي تحت سيطرته لمصلحة سلطة التطوير التي حوّلت بدورها قسماً كبيراً منها لمصلحة الصندوق القومي اليهودي.

- قانون الاستحواذ على الأراضي (تصديق الإجراءات والتعويضات) لسنة 1953 : أضفى القانون مشروعية بأثر رجعي على عمليات وضع يد تمت بين 14 أيار/ مايو 1948 و1 نيسان/ أبريل 1952، ووضَعَ الأراضي المصادرة تحت سيطرة هيئة التطوير، كما سمح بأن يُعرَض على المهجّرين داخلياً تعويضات مالية عن أملاكهم التي نُقلت إلى حارس أملاك الغائبين. وعلى الرغم من المفاوضات التي أجرتها سلطة التطوير ولاحقاً إدارة أراضي إسرائيل ، مع الكثيرين من المهجّرين، بهدف حضهم على القبول بالتعويضات، إلاّ أن كل المؤشرات تؤكد أن نسبة الذين استلموا هذه التعويضات قليلة جداً.

في الفترة بين أواخر سنة 1948 وحتى منتصف الخمسينات، نشطت عديدة لجان دولية وإسرائيلية في قضايا المهجّرين الداخليين. هدفت لجان إغاثة ومؤسسات دولية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، إلى تقديم المساعدات للاجئين الداخل واستمر عملها حتى أيار 1950، موعد إقامة الأونروا التي عملت في إسرائيل حتى أواخر سنة 1952 إلى أن تولّت حكومة إسرائيل مسؤولية العناية باللاجئين الداخليين، بحجة كونها قضية إسرائيلية داخلية. وكانت قد أقامت في نهاية 1948 "لجنة نقل السكان "  ولاحقاً "سلطة تأهيل اللاجئين " التي تشكّلت من لجنتين رسميتين دمجتا في أوائل سنة 1949. كانت أهداف هذه اللجان البحث عن "حلول" (بما فيها طرد جزء من اللاجئين إلى خارج حدود الدولة) وتأهيل اللاجئين، بما يخدم مصلحة الدولة ولا يتعارض مع أهدافها. فسمحت لبعض لاجئي حيفا وعكا الذين لجأوا إلى مدينة الناصرة ، العودة إلى مدنهم، وسمحت للاجئي القرى بتضمين بعض الأراضي المهجّرة، شرط ألا تكون تابعة لبلداتهم الأصلية.

لم تتوقف محاولات المهجّرين مقاومة السياسات الإسرائيلية لترحيلهم عن بلداتهم الأصلية، فمنذ تهجيرهم حاولوا أفراداً وجماعات، في عدة وسائل، العودة إلى بلداتهم. وإلى جانب محاولات العودة الفعلية والتي قوبلت بعنف من قبل السلطات وبعمليات إخلاء جماعية، تقدّم المهجّرون بمطالبات رسمية إلى الوزارات المعنية وإلى الحكّام العسكريين. كما طرح الحزب الشيوعي قضيّة المهجّرين في الكنيست من خلال استجوابات برلمانية. بالإضافة إلى ذلك، لجأ البعض إلى القضاء، مطالباً بإلغاء قرار ترحيله عن بلداته. وعلى الرغم من وجود قرارات قضائية لـالمحكمة العليا الإسرائيلية تفضي بعدم وجود أي عائق قانوني يحول دون عودة الملتمسين الى قراهم، كما في حالة سكان قرية إقرت، وقرار إضافي لمهجّري الغابسية ، إلاّ أن السلطات التنفيذية حالت دون تنفيذ قرار المحكمة العليا وقامت بنسف بيوت هذه القرى فحالت دون عودتهم.

في بداية التسعينيات، وفي اعقاب توقيع اتفاقية أوسلو ، بدأت مرحلة جديدة في قضية المهجّرين، إذ بادرت مجموعة من الناشطين إلى مأسسة مطالب مهجّري الداخل للتأكيد على حق المهجّرين في العودة أو التعويض، وذلك عبر إقامة "اللجنة القطرية للدفاع عن حقوق المهجّرين في الداخل ". وقد حصلت هذه اللجنة على اعتراف لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل بكونها الإطار التمثيلي لقطاع المهجّرين، وعلى اعتماد مبدأ حق العودة شعاراً سياسياً ومطلباً للجماهير العربية وأحزابها كافة. ومنذ ذلك الحين، تقوم اللجنة بالعديد من الأنشطة المتعلقة بقضية المهجرين وعلى رأسها التقليد السنوي بإحياء ذكرى النكبة، تحديداً يوم ذكرى إقامة دولة إسرائيل بحسب التقويم العبري، لإبراز أن النكبة والتهجير هما الوجه الآخر لقيام إسرائيل. وبهذه المناسبة تنظم اللجنة التظاهرات والمسيرات الجماهيرية على أراضي إحدى القرى المهجّرة تحت شعار "يوم استقلالهم يوم نكبتنا".

إن قضية المهجّرين داخلياً تختزل الحالة الفلسطينية في ثلاثة أوجه على الأقل على الرغم من الادعاء الإسرائيلي بكونهم مواطنين "حاضرين" ذوي حقوق المواطنة. فمن جهة أولى، يتشاركون مع إخوانهم في الشتات واقع إبعادهم عن قراهم الأصلية وتدميرها ومحاولة محوها من على الخريطة. ومن جهة ثانية، إن وصفهم بالغائبين في وطنهم، أو بتعبير آخر تغييبهم الرمزي عن وطنهم، يذكّر بحالة المنفى التي يعاني منها إخوانهم خارج حدود وطنهم. ومن جهة ثالثة، يشكل الاستيلاء على أراضيهم واستيطانها القاسم المشترك الذي يجمعهم مع إخوانهم خارج الحدود.

جدول الأحداث الكلي
E.g., 2024/12/15
E.g., 2024/12/15

حرب فلسطين والنكبة

1949

ارتدادات حرب فلسطين

1950

1951

1952

1953

1954

1955

1956

1957

1958

1959

1960

1961

1962

1963