تنطلق الثورة العربية في فلسطين في ربيع سنة 1936 بعد أن تشعل شرارتها التوترات التي تصاعدت منذ خريف سنة 1935. تشهد المرحلة الأولية حوادث عنيفة، بما في ذلك شن هجمات على شاحنات مملوكة لليهود وعمليات قتل انتقامية مضادة. يفضي هذا إلى تشكيل اللجان الوطنية واللجنة العربية العليا التي تدعو إلى إضراب عام في أيار/ مايو 1936. يؤدي الإضراب إلى شل النشاطات الاقتصادية الفلسطينية وترافقه عمليات مقاومة مسلحة ضد أهداف بريطانية وصهيونية. ينشر البريطانيون تعزيزات عسكرية ويردون بإجراءات قمعية، بما في ذلك عمليات تفتيش المنازل والمداهمات الليلية والتعذيب والترحيل. تُكلف الحكومة البريطانية لجنة تحقيق (لجنة بيل) في أيار 1936. لن تُعلن اللجنة العربية العليا إنهاء الإضراب إلاّ في تشرين الأول/ أكتوبر 1936 تحت ضغوط من رؤساء الدول العربية، وهو ما يؤدى إلى تراجع حدة الصراع لفترة. وتوافق اللجنة كذلك على المثول أمام لجنة بيل.
كان العقد الممتد بين سنتي 1936 و1948 في ظل الانتداب البريطاني، فترة محوريّة في تاريخ فلسطين الحديث مهّدت الطريق لضياعها. استُهلّ هذا العقد بثورة فلسطينية شاملة ضد الانتداب البريطاني والمشروع الصهيوني، وفي أعقاب القمع الوحشي لهذه الثورة عاشت فلسطين اضطرابات الحرب العالمية الثانية
، كما عرفت في الوقت ذاته فترة ازدهار اقتصادي، نظراً لكونها موقعاً للتعبئة العسكرية للبريطانيين. في هذه الأثناء، دفع تطوّر خلاف بين البريطانيين والصهاينة بخصوص الهجرة غير الشرعية لليهود الأوروبيين الفارين من جحيم الأعمال النازية إلى فلسطين، الحركةَ الصهيونية عند نهاية الحرب إلى الاتجاه نحو
تحولت حالة الاستياء الفلسطيني العارم من الحكم البريطاني تمرّداً مفتوحاً سنة 1936، واستمرت الثورة الفلسطينية الكبرى
(كما باتت تُعرف) ثلاث سنوات، ويمكن تقسيمها بشكل عام إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى- من ربيع 1936 إلى تموز/ يوليو 1937، ومن أهم مميزاتها: تشكيل اللجان الوطنية في المدن الفلسطينية الرئيسية، وإنشاء
دفع الإرهاق الذي أصاب الشعب الفلسطيني بعد ستة أشهر من الإضراب العام، والقمعُ البريطاني، إضافة إلى وعود
كانت تلك بداية المرحلة الثانية من الثورة، واستمرت حتى خريف 1938، فكان ردّ الحكومة البريطانية على تجدّد المقاومة الفلسطينية حظرَ اللجنة العربية العليا والأحزاب السياسية والمنظمات الفلسطينية كافة، كما ألقت القبض على معظم القادة السياسيين والناشطين الفلسطينيين ونفت أبرزهم، وفرضت عقوبات شاملة على شكل حملات اعتقال جماعي، وتدمير أحياء سكنية، وفرض غرامات ضخمة، وكانت المحاكم العسكرية تصدر أحكاماً فورية بالإعدام لمجرد حيازة الأسلحة... وغيرها من الوسائل القمعية، على رغم أن الأحكام العرفية لم تُعلن رسمياً. واستعانت بريطانيا لمواجهة الثوار بتعزيزات عسكرية ثقيلة، مثل سلاح الجو والدبابات والمدفعية، وهمِّش دور اللجنة العربية العليا بعد إعادة تشكيلها في دمشق ، حيث انتقلت المبادرة أكثر فأكثر إلى القادة الميدانيين، وبدأت الثورة تتخذ على نحو متزايد طابعاً فلاحياً، على رغم أن المكوّن الريفي كان مؤثراً فيها على الدوام، وحقّق الثوار الفلسطينيون مكاسب كبيرة على الأرض، إلى درجة فرضهم السيطرة على البلدة القديمة في القدس لفترة معينة، في الوقت الذي كان التعاون البريطاني- الصهيوني في وجه الثوار يرسِّخ الهياكل العسكرية الصهيونية على الأرض.
في المرحلة الثالثة، التي امتدت من خريف 1938 إلى صيف 1939، وفي الوقت الذي شنّ البريطانيون هجوماً عسكرياً واسع النطاق ضد الثورة، أعلنوا تراجعهم عن قرار التقسيم واستعدادهم لقبول بعض مطالب الثورة، مع استغلالهم الضغط الذي مارسوه على الثوار من أجل تأليب بعض الفلسطينيين عليهم، إثر تصدعات أحدثها القمع البريطاني في المجتمع الفلسطيني، فقد استنزفت سنوات الثورة الثلاث هذا المجتمع وأرهقته، حيث استشهد حوالى 5,000 فلسطيني وجرح حوالى 15,000 من السكان الذين لم يكن عددهم يزيد على مليون نسمة، ونُفي القادة السياسيون أو قُتلوا أو وُضعوا بعضهم في مواجهة بعض.
وفي هذا السياق، طرحت بريطانيا
وفرَضَ استحقاق جيوسياسي كبير خاضته بريطانيا تجاوُزَ التوجه السياسي الذي تضمّنه الكتاب الأبيض: إنها الحرب العالمية الثانية.
ظلّت اللجنة العربية العليا محظورة خلال الحرب، وبقي القادة السياسيون الفلسطينيون في المنفى، وفي سنة 1941 لجأ مفتي القدس
ورئيس اللجنة العربية العليا
في الحقيقة، كان الخلاف المتصاعد بين البريطانيين والحركة الصهيونية أهم بكثير من أي تقارب فلسطيني مع دول المحور خلال سنوات الحرب، فالعلاقات المتوترة أصلاً بسبب الاستياء الصهيوني من الكتاب الأبيض الصادر سنة 1939، عرفت مزيداً من التدهور جرّاء ضغط المنظمات الصهيونية على بريطانيا لرفع القيود عن هجرة اليهود إلى فلسطين خلال انشغال العالم بـ"المجزرة" الجارية في أوروبا، إضافة إلى استمرارها بتنظيم الهجرات غير الشرعية، التي تسببت محاولات بريطانيا إيقافها بغرق سفن تحمل لاجئين يهود سنتي 1940 و1942. وعلى رغم وجود حوالى 27,000 مجند يهودي في صفوف القوات المسلحة البريطانية في فلسطين، شنّ اليمين الصهيوني (عصابات
في أيار 1942، انعقد مؤتمر في فندق بلتيمور في