في أعقاب الثورة الوطنية بقيادة الأميرلاي أحمد عرابي باشا بعد سيطرته على الجيش المصري ومواجهته مع الخديوي توفيق باشا ، تغزو القوات البريطانية مصر بذريعة تفادي أن تعمّها الفوضى في حين أنها تهدف في الواقع إلى حماية المصالح الاقتصادية البريطانية وضمان الطريق البحري الإستراتيجي إلى الهند . في 11 تموز/ يوليو، تقصف القوات البريطانية مدينة الإسكندرية من البحر وتحتلها بعد يومين، لكنها في طريقها باتجاه القاهرة تفشل (في 5 آب/ أغسطس) في التغلب على قوات عرابي التي تتخذ من كفر الدوّار حصناً قوياً. تلجأ القوات البريطانية إلى التقدم عن طريق قناة السويس ، فتحتل الإسماعيلية في 15 آب وتهزم الجيش المصري في التل الكبير في 13 أيلول/ سبتمبر، وتدخل القاهرة في اليوم التالي. وعلى الرغم من بقاء مصر خاضعة اسمياً لسيادة السلطان العثماني، تخلق الوصاية البريطانية الفعلية على مصر نقطة احتكاك جغرافية مباشرة بين البريطانيين والعثمانيين، وهو ما سيؤدي في تشرين الأول/ أكتوبر 1906 إلى التوصل إلى اتفاق بشأن خط رفح - العقبة باعتباره الحدود بين مصر والأراضي العثمانية التي ستصير فلسطين.
قبل الحرب العالمية الأولى
، كانت المناطق التي ستُشكَّل منها فلسطين الانتدابية
تضم متصرفية القدس
التي استقلت عن ولاية سوريا
في سنة 1872، ومركزها القدس
، واشتملت على أقضية يافا
وغزة
والخليل
، ثم على قضاء بئر السبع
، الذي أنشأته السلطات العثمانية في سنة 1899 للسيطرة على
وخلال الحرب، وبناءً على الاتفاقيات التي توصّل إليها
عندما عقد الحلفاء
بعد أن حصلت بريطانيا على الانتداب على فلسطين، كان عليها ترسيم حدود هذا الكيان الانتدابي، بما يضمن الانتقال من حدود ولاية ضمن إمبراطورية إلى حدود كيان دولاتي. ويتناول هذا النص تحديداً الحدود الجنوبية مع مصر ، .
"أزمة الفرمان" في سنة 1892
استغرقت عملية ترسيم حدود فلسطين الجنوبية مع مصر عقوداً طويلة، ومرت بمراحل متعددة. وجاء أول ترسيم للحدود الإدارية بين مصر وفلسطين في سنة 1841، بعد قيام الدول الأوروبية الكبرى بإجبار القوات المصرية على الانسحاب من بلاد الشام
، مُتَضمناً في الفرمان الذي أصدره السلطان عبد المجيد الأول
ومنح فيه محمد علي باشا
، مؤسس الدولة الخديوية في مصر
، وذريته من بعده حكم مصر. وأرفق بالفرمان خريطة بيّنت أن الحدود بين مصر من جهة، والحجاز
وفلسطين، من جهة ثانية، تمتد من
أثار حفر قناة السويس ، الذي بدأ في سنة 1859 وانتهى في سنة 1869، اهتمام الدول الأوروبية الكبرى بمصر، وأدركت بريطانيا، على وجه الخصوص، أهمية ضمان حرية المرور عبر قناة السويس لحماية الطريق نحو مستعمرتها في الهند ، وقامت باحتلال مصر في سنة 1882.
في سنة 1892، توفي حاكم مصر الخديوي توفيق باشا
وخلفه ابنه الخديوي عباس حلمي
، وجرى تثبيته على العرش بفرمان من الصدر الأعظم، أحمد جواد باشا
. وفي ذلك الفرمان، استُبعدت مصر من إدارة شبه جزيرة سيناء بالكامل، الأمر الذي أدّى إلى نشوب أزمة دبلوماسية، سُميت باسم "أزمة الفرمان
"، بين الباب العالي والحكومة البريطانية. وفي نيسان من ذلك العام، جرت مراسلات بين
أطماع الحركة الصهيونية في صحراء سيناء والعريش
بعد فشل مساعيه مع السلطان عبد الحميد الثاني
للحصول على موطئ قدم في فلسطين، اقترح
في الجانب العثماني، كان السلطان عبد الحميد قد أصبح خاضعاً بشدة، آنذاك، للنفوذ الألماني. ووضع بالتنسيق مع الألمان خطوطاً إستراتيجية جديدة في الشرق الأوسط
بحسب مسار خطوط السكك الحديدية التي شرعت في إنشائها الحكومة العثمانية، وأهمها خط سكة حديد الحجاز
، الذي بدأ تنفيذه في سنة 1900، بحيث يصل دمشق
بمكة و
"أزمة طابا" في سنة 1906 وترسيم الحدود النهائي
في كانون الثاني/ يناير 1905، كلف اللورد كرومر الضابط البريطاني
بعد إخفاق مساعي التوصل إلى تسوية، التي بذلها كلٌ من مختار باشا
، ممثل الحكومة العثمانية في القاهرة، مع المسؤولين المصريين، من جهة، و
وبدعم من حكومته، أرسل اللورد كرومر إنذاراً إلى الصدر الأعظم طالبه فيه بسحب القوات التركية من طابا خلال عشرة أيام، والتوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود، ووضع الأسطول البريطاني شرق البحر الأبيض المتوسط في حالة تأهب. ومع أن الصدر الأعظم حاول المناورة، لكن السفير أوكونور ردعه ودعاه، في 12 أيار 1906، إلى سحب القوات التركية حالاً من طابا، والموافقة على تشكيل لجنة مشتركة مصرية-عثمانية لترسيم خط الحدود.
وأمام هذا الموقف البريطاني الحازم، اضطر الصدر الأعظم إلى التراجع، وكتب توفيق باشا، في 14 أيار، رسالة إلى السفير أوكونور، ورد فيها: "إن الانسحاب من طابا قد تقرّر، وأُعطيت الأوامر بذلك، وسيجتمع ضباط هيئة الأركان الموجودون في العقبة والموظفون الذين سيرسلهم الخديوي لتفقد المواقع، وسيجري، بحسب المعطيات الطبوغرافية، تحقيق تقني ورسم الخط الفاصل انطلاقاَ من رفح، بالقرب من العريش، وامتداداً في اتجاه الجنوب الشرقي في خط مباشر تقريبي حتى خليج العقبة على مسافة أقل من ثلاثة أميال من حصن العقبة." وبذلك، تكرّس إدراج قطاع طابا ضمن حدود مصر، وتمّ ترسيم خط الحدود المصرية الفلسطينية في الصحراء بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، من رفح إلى طابا.
في مطلع تشرين الأول 1906، وقّع المندوبون المصريون والعثمانيون في رفح الاتفاقية النهائية التي وصفت خط الحدود بأنه "إداري"، وليس سياسياً أو دولياً، بين "ولاية الحجاز ومتصرفية القدس" من جهة، "والخديوية الجليلة المصرية"، من جهة ثانية. وأوضحت الاتفاقية في المادة السادسة منها أن: "جميع القبائل القاطنة في كلا الجانبين لها حق الانتفاع بالمياه حسب سابق عاداتها"، وورد في المادة الثامنة: "تبقى أهالي وعربان الجهتين على ما كانت عليه قبلاً من حيث ملكية المياه والحقول والأراضي في الجهتين كما هو متعارف بينهم." بينما أكدت المادة السابعة من الاتفاقية أن العساكر الأتراك المسلحين لا يسمح لهم بالعبور إلى غرب الخط الفاصل.
في 9 أيار 1919، ورد في مذكرة قدمها الوفد البريطاني إلى
الحدود المصرية - الإسرائيلية
في 24 شباط 1949 في أعقاب حرب فلسطين
، وقعت إسرائيل ومصر
وقد نصت معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية التي وقعت في 26 آذار 1979، على أن الخط الفاصل الإداري لسنة 1906 أصبح خط الحدود الدولي بين مصر وإسرائيل، واعتُبرت المنطقة المنزوعة السلاح عند عوجا الحفير ضمناً تحت السيادة الإسرائيلية. وهكذا، امتدت الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل سنة 1948/ 1949 من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر.