كانت الفترة بين سنتي 1947 و1949 الأكثرَ حسماً في التاريخ الفلسطيني الحديث، كما أنها أثّرت بشكل عميق وسلبيّ في الشعب الفلسطيني ومستقبله.
عندما أحال البريطانيون قضية فلسطين إلى الأمم المتحدة
في نيسان/ أبريل 1947، كان هناك تحوّل في ميزان القوى المحلي لمصلحة الصهاينة على حساب الفلسطينيين ساهمت بنفسها في إحداثه. وبفضل المكاسب الدبلوماسية والسياسية التي وفّرتها
تركت السياسة البريطانية في فلسطين منذ
في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لمصلحة اقتراح الأكثرية الصادر عن لجنة "يونسكوب"، وفيما وافق الصهاينة بشكل علنيّ على التقسيم، رفضته الدول العربية والهيئة العربية العليا
، التي كانت بمثابة القيادة الفلسطينية الفعلية، فاندلع القتال بين العرب واليهود في فلسطين بعد تصويت الأمم المتحدة على التقسيم مباشرةً، وكانت القوات العربية أقل عديداً وأسوأ تنظيماً بكثير من اليهودية، التي تألفت من ميليشيا
ومع حلول أيار/ مايو 1948، استولت القوات الصهيونية المهاجمة على عدد من المدن الكبرى، مثل يافا وحيفا وطبريا ، فضلاً عن مساحات واسعة من الدولة العربية المقترحة في قرار التقسيم، وخصوصاً في الجليل ، ففر الفلسطينيون أمام زحفها بعشرات الآلاف لاجئين إلى دول الجوار، بعد انتشار الأخبار بين السكان عن الفظائع والمجازر التي ترتكبها العصابات الصهيونية، كتلك التي حصلت في دير ياسين ، حيث قتلت القوات شبه العسكرية الصهيونية أكثر من 100 قروي فلسطيني.
وفي 14 أيار/ مايو 1948، اليوم الذي غادر فيه آخر الجنود والإداريين البريطانيين فلسطين، أعلن الزعيم الصهيوني ديفيد بن غوريون قيام دولة يهودية تدعى إسرائيل.
كانت الحركة الصهيونية تتحضّر جيداً خلال سنوات الانتداب من أجل إعلان استقلالها، فأنشأت شبكة من المؤسسات جاهزة لبدء عملية الحكم، أما في الجانب العربي فكان الأمر على النقيض من ذلك، حيث لم تكن ثمة مؤسسة وطنية فلسطينية حقيقية يمكنها تولي الحكم أو الدفاع.
في 15 أيار/ مايو دخلت فلسطين وحداتٌ من جيوش مصر
والأردن
ولبنان
وسوريا
والعراق
و
ومع حلول أوائل سنة 1949، كانت حدود التقسيم التي اقترحتها الأمم المتحدة قد أصبحت غير ذات صلة، فالقوات الإسرائيلية كانت تسيطر على 77 في المئة من فلسطين العام 1948، دخلت فيها مساحات شاسعة مما كان يُفترض أن يصبح الدولة العربية. أما في الـ23 في المئة الأخرى، فكانت القوات المصرية تسيطر على غزة ، فيما احتفظت القوات الأردنية والعراقية بـالضفة الغربية والقدس الشرقية .
لم تنشأ أي دولة فلسطينية، وعلى رغم إقرار جامعة الدول العربية في 20 أيلول/ سبتمبر 1948 تشكيل حكومة عموم فلسطين بقيادة "الهيئة العربية العليا" في غزة، الواقعة تحت السيطرة المصرية، لم تمارس هذه الهيئة أيَّ سلطة فعلية، ولا حتى في غزة. أما في الضفة الغربية، فدعا اجتماع لوجهاء فلسطينيين في أريحا في 1 كانون الأول/ ديسمبر 1948، الأردنَّ إلى ضمّ الضفة الغربية. والأسوأ من ذلك كله كان دفع الحرب السكان الفلسطينيين إلى ترك قراهم ومدنهم، فقد نزح أكثر من 725 ألف فلسطينيّ عن منازلهم أو طردتهم القوات الصهيونية، ليجدوا أنفسهم لاجئين في غزة والضفة الغربية والدول العربية المجاورة. وكان رفض إسرائيل قاطعاً لناحية عدم السماح لهم بالعودة. أما ما يقارب المئة وخمسين ألف فلسطينيّ الذين بقوا في ديارهم ولم يغادروها، فقد وجدوا أنفسهم جزءاً من إسرائيل (وكان عدد كبير منهم أيضاً لاجئاً بلا مأوى) وخاضعين لقانون الأحكام العرفية في الدولة اليهودية الجديدة. وأطلق الفلسطينيون بعد ذلك على تلك الحرب اسم النكبة.
وتدخلت الأمم المتحدة مرة أخرى لإنهاء المعارك، فأرسلت الديبلوماسي السويدي
وعلى الرغم من وضع هدنة رودس حداً لسفك الدماء، إلا أنها لم تتوصل إلى أي اتفاقيات سلام، وفي 11 كانون الأول/ ديسمبر 1948، أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 194، الذي أنشأ لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين
، وضمت أعضاء من
وهكذا، ترك الوضع غير المستقر بعد الحرب قضايا الفلسطينيين الأكثر أهمية من دون حل، مثل قضيتي اللاجئين الفلسطينيين والتمثيل السياسي للشعب الفلسطيني، ما ضاعف حجم الخسائر الكارثية لسنة 1948 على الفلسطينيين، والتي أصبحت من دون أدنى شك لحظة حاسمة في التاريخ الفلسطيني الحديث.
بابه، إيلان. "التطهير العرقي في فلسطين". ترجمة أحمد خليفة. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2007.
حبش، جورج. "شهادات عن الاحتلال والتهجير". "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 34 (ربيع 1998).
زريق، قسطنطين، وموسى العلمي، وقدري حافظ طوقان، وجورج حنّا. "نكبة 1948: أسبابها وسبل علاجها". تقديم وليد الخالدي. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2009.
العارف، عارف. "النكبة: نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود، 1947-1949". تقديم وليد الخالدي. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2012.
العارف، عارف. "النكبة في صور: نكبة العرب في فلسطين". بيروت: دار العلم للملايين، 1961.
مصالحه، نور الدين. "طرد الفلسطينيين: مفهوم "الترانسفير" في الفكر والتخطيط الصهيونيين (1882- 1948)". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1992.
الوزير، خليل (أبو جهاد). "شهادات عن الاحتلال والتهجير". "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 34 (ربيع 1998).
محتوى ذو صلة
دبلوماسي
افتتاح دورة خاصة بشأن فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة
1947
28 نيسان 1947 - 9 أيار 1947