إضاءة على –

الفلسطينيون في السويد

إضاءة على –
الفلسطينيون في السويد
ملتزمون بفلسطين ومتجاوزون أوضاعهم القانونية المتنوعة

عرض جدول الأحداث

الفلسطينيون في السويد

24 آذار 2024
Author(s): 
Helena Lindhom

تقيم جالية فلسطينية كبيرة في السويد ، نشأت عن هجرة فلسطينيين إلى هذا البلد في فترات تحوّل تاريخية، ارتبطت بأحداث عديدة مؤلمة في تاريخهم.

تاريخ الجالية

حدثت أول هجرة فلسطينية كبيرة إلى السويد في ستينيات القرن العشرين، عندما وصل إليها طلاب لاجئون من لبنان وسوريا والأردن للتدريب المهني، وذلك من خلال ترتيب تعاوني بين وكالة "الأونروا " وشركات سويدية كبيرة مثل فولفو . وبعد التدريب، بقي بعض هؤلاء في السويد وعملوا في شركات التصنيع الآخذة في التوسع، وشكّلوا نواة مجتمع فلسطيني مستقر. ثم وصلت موجة ثانية كبيرة من المهاجرين الفلسطينيين بعد حرب عام 1967 ، هرباً من التوسع العسكري الإسرائيلي. بيد أن أكبر مجموعة من الفلسطينيين وصلت إلى السويد، هي تلك التي قدمت في عقد الثمانينيات، في أعقاب حرب لبنان وإجلاء منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، وما مُني به مجتمع اللاجئين الفلسطينيين من ضعف جراء ذلك.

 ‎كما وصل السويد فلسطينيون من ليبيا ودول الخليج والعراق ، ومؤخراً من قطاع غزة وسوريا. وقد تضمنت الموجة الكبيرة من اللاجئين، الذين هاجروا من سوريا جراء الحرب السورية بين سنتي 2012 و2015، عدداً كبيراً من اللاجئين الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون فيها على مدى أجيال منذ النكبة . وقد مُنح جميع اللاجئين الآتين من سوريا (بغض النظر عن جنسياتهم)، ما بين سنتي 2013 و2016، إقامة دائمة في السويد.

إن العديد من الفلسطينيين (من عديمي الجنسية أو من حاملي وثائق سفر ممنوحة للاجئين) الذين هاجروا إلى السويد قادمين من  لبنان والعراق وسوريا وليبيا ودول الخليج وقطاع غزة، هم ممن خبروا اللجوء والهجرة مرات عديدة جراء الحروب التي شهدوها وحالات انعدام الأمن في الشرق الأوسط . وهم ليسوا جميعهم "لاجئين" وفق التعريف القانوني للمصطلح، إذ كان بعضهم يعيش في دول الخليج عندما هاجر إلى السويد. وهذه المجموعة تواجه وضعاً صعباً على نحو خاص في النظام السويدي لأن أفرادها يفتقرون في أكثر الأحيان إلى المبررات القانونية الصالحة للحصول على اللجوء أو الحماية، وبالتالي فهم نادراً ما يحصلون على تصاريح إقامة. وهكذا، بينما يُفترض، من الناحية القانونية، أن يغادروا البلاد، فإن القانون نفسه "يمنع  ترحيلهم"، لأنهم عديمو الجنسية ولا يوجد بلد يمكنهم العودة إليه.

ونظراً إلى وفود المهاجرين من أصل فلسطيني إلى السويد في موجات عديدة وفي أوقات تاريخية مختلفة، فإن عدداً كبيراً منهم أصبحوا اليوم مواطنين سويديين، ولا تسجل إحصاءات الدولة الرسمية بلدهم الأصلي؛ كما لا يُسجل البلد بالنسبة إلى الأشخاص عديمي الجنسية عند وصولهم. ويقدر عدد الفلسطينيين المقيمين بالسويد بنحو 75.000-80.000 في سنة 2023.

ويختلف الوضع القانوني للأشخاص الذين يعرّفون عن أنفسهم بأنهم فلسطينيون. ويشمل ذلك الأفراد المولودين في السويد (ومن ثم فهم مواطنون سويديون)، وأولئك الذين ولدوا في فلسطين أو في السويد وكان أحد والديهما على الأقل مولوداً في فلسطين، وكذلك الأفراد عديمي الجنسية، والمواطنين الفلسطينيين من الأردن، والأفراد المولودين في لبنان أو العراق أو سوريا أو ليبيا أو الإمارات العربية المتحدة أو دول الخليج الأُخرى، وطالبي اللجوء والوافدين حديثاً واللاجئين ممن لا يحملون أوراقاً ثبوتية، والأشخاص الذين يحملون وثائق سفر موقتة من مختلف الدول العربية، والأشخاص الذين لديهم مجموعة من الوثائق أو الأشخاص "غير معروفي الهوية". والفروقات بين المنتمين إلى جميع هذه الفئات تكون، عادة، غير واضحة، وأحياناً متداخلة، ولا يجمعهم سوى أنهم يعرّفون عن أنفسهم بأنهم فلسطينيون. فهم ربما عاشوا في السويد على مدى عقود، وقد تمتد عائلاتهم لجيلين أو ثلاثة أجيال، أو قد يكونون مهاجرين حديثين. ويختلف وضعهم القانوني وبلد مولدهم ومدة إقامتهم في السويد، كما أن هوياتهم غير واضحة وغير ثابتة.

التنظيم

شارك الفلسطينيون في السويد منذ قدومهم إلى هذا البلد في مجموعة متنوعة من أشكال النشاط والضغط من أجل قضية فلسطين. وهم ينظمون فعاليات للحفاظ على الثقافة والهوية الفلسطينية ورعايتهما في وطنهم الجديد. وارتبط تنظيمهم ونشاطهم السياسيان بالبنية السياسية للسويد وسياسة السويد الشرق أوسطية. في الثمانينيات، كان التضامن مع فلسطين مرتبطاً بالروابط التي أقامتها حركة "فتح " مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي ، لكن أيضاً مع حزب اليسار (الذي كان يُسمى آنذاك حزب اليسار الشيوعي) ومع الأحزاب والمنظمات اليسارية الأصغر حجماً. ومنذ ذلك الحين، ارتبطت حركة التضامن المؤيدة لفلسطين (إلى حد كبير) باليسار السويدي، وما زالت الحال كذلك إلى اليوم. أمّا تحالف المحافظين السويديين فهو يميل، عموماً، إلى تأييد إسرائيل. ومثلما هي الحال في دول أُخرى، تنشط في السويد جماعات ضغط تهدف من خلال روابطها السياسية، إلى التأثير في سياسة البلد الخارجية. ومع ذلك، فإن مناصرة الفلسطينيين السياسية لم تصل يوماً إلى أن تشكل صوتاً قوياً في السويد، وذلك على الرغم من أن الحكومات التي يهيمن عليها الديمقراطيون الاشتراكيون كانت تميل إلى التعاطف مع القضية الفلسطينية.

منظمتا التضامن الرئيسيتان هما "المجموعات الفلسطينية " و"لجنة فلسطين ". وقد دعمت هاتان المنظمتان مشاريع في لبنان وقطاع غزة والضفة الغربية من خلال تمويل مقدم من الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي "سيدا"، بالإضافة إلى دفاعهما عن القضية الفلسطينية والضغط في سبيل مناصرتها. وفي سنة 2023، خفضت الحكومة السويدية المحافظة التي وصلت إلى الحكم هذا التمويل بصورة كبيرة. وبمرور الوقت، تم إنشاء منظمات أُخرى أصغر، مثل "سفينة إلى غزة " التي تحاول الوصول إلى قطاع غزة من خلال سفن تُبحر عبر البحر الأبيض المتوسط ، أو الفروع المحلية لشبكة "صامدون " الدولية التي تركز على الأسرى الفلسطينيين. أمّا "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات " (BDS) ذات الطابع العالمي، فإنها تتسم، في السويد، بتنظيمها الفضفاض ولا تجتذب أي دعم واسع النطاق. فضلاً عن ذلك، هناك مجموعة واسعة من المنظمات والجمعيات الدينية والثقافية والسياسية الفلسطينية التي تتمتع في كثير من الأحيان بحضور محلي قوي. كما أننا نجد شبكات عائلية ومجتمعية قوية في بعض ضواحي مدينة مالمو ومدن أُخرى حيث تقيم تجمعات فلسطينية كبيرة نسبياً. وثمة منظمات صغيرة تنشأ ثم تميل إلى التلاشي بحسب الشبكات الموجودة والالتزام الفردي. وقد يتمحور نشاطها في التعريف بالتراث الثقافي الفلسطيني والموسيقى والأدب والمطبخ الفلسطيني، وتوفير منصة لتنظيم حفلات الزفاف، ومساعدة المهاجرين الوافدين حديثاً، أو لحشد الدعم السياسي للقضية الفلسطينية. ويركز العديد من المنظمات على الحفاظ على الهوية الثقافية والسياسية الفلسطينية.

منذ سنة 2000، تؤدي شبكة الإنترنت دوراً متنامياً في التعبئة والنشاط، وتوفر لمجتمعات الشتات أدوات جديدة للتواصل مع الوطن وتجاوز الحدود العالمية، مثل مجموعات الفيسبوك، ومنها "نحن الذين نحب فلسطين " و"الجالية الفلسطينية في السويد ". وينشط العديد من التجمعات ومجموعات الدردشة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا يولّد الكثير من تعبيرات الدعم خلال أحداث العنف الكارثية التي تقع في قطاع غزة أو في الضفة الغربية، لكن سرعان ما تنحسر هذه التعبيرات عندما ينحسر العنف في فلسطين. وعندما يُمارس العنف على نطاق واسع في قطاع غزة أو الضفة الغربية، تلجأ هذه القنوات إلى استخدام الشبكات في فلسطين لنشر المعلومات وإيصال المظالم والتعبير عن المقاومة. فخلال الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة "حماس " سنة 2023، خرجت تظاهرات أسبوعية في المدن السويدية للمطالبة بإنهاء الحرب والتعبير عن التضامن مع فلسطين. كما كان هناك تكثيف للنشاط على وسائل التواصل الاجتماعي، كما هي الحال في أجزاء أُخرى كثيرة من العالم.

منذ اعتماد تعريف معاداة السامية الذي روج له التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست ، اتُهم الناشطون الفلسطينيون بنشر دعاية معادية للسامية. وقد ترك هذا التطور، إلى جانب المواقف العنصرية والإسلاموفوبيا السائدة في المجتمع السويدي، آثاره في الحد من إمكانات الجالية الفلسطينية في السويد واستعدادها للتنظيم السياسي.

الاندماج/ الهوية

الفلسطينيون الذين وصلوا إلى السويد في ستينيات القرن الماضي تمكنوا من الاندماج على نحو جيد إلى حد ما، واستطاعوا بذلك توفير الدعم للوافدين الجدد. وكانت شبكات العائلات والأقارب ناشطة في تسهيل تكيُّف المهاجرين الجدد مع واقعهم الجديد. وبطبيعة الحال، يختلف مستوى الاندماج، ويتوقف إلى حد ما على مدة الإقامة في السويد. ويقول الفلسطينيون الذين نشأوا في السويد، أو الذين أصبحوا مواطنين سويديين، إنهم يشعرون بأنهم فلسطينيون وسويديون بالقدر نفسه. إنهم يقدّرون الشعور بالأمان والأمن والمواطنة والنظرة الإنسانية للعالم والحريات المدنية التي يتمتعون بها في السويد.

وفي حين يشعر الكثيرون منهم بأنهم يتنقلون بسهولة نسبية بين هويتيهما الفلسطينية والسويدية، يجد بعضهم في أكثر الأحيان أنفسهم موضع تساؤل من جانب أغلبية السكان السويديين البيض الذين حددوا المعايير والأفكار إزاء ما يعنيه أن يكون المرء "سويدياً". ومع تصاعد العنصرية السياسية في السويد، صار الفلسطينيون وغيرهم من أفراد مجتمعات المهاجرين يواجهون صعوبات في التكيّف، في حين أن الأطفال المولودين لأبوين فلسطينيين يندمجون بشكل كامل في أكثر الأحيان. ومهما يكن، لم تخصص، حتى الآن، دراسات وأبحاث وافية لمسألة اندماج الفلسطينيين في المجتمع السويدي.

لقد أثبت الفلسطينيون حضورهم في مجالات الأعمال التجارية، وريادة الأعمال، والوظيفة العامة، وفي المجال الثقافي. فوالد فنان البوب الذي يحظى بشعبية كبيرة في البلد إريك سعادة هو فلسطيني وُلد ونشأ في لبنان. كما أن لدى شخصيات تلفزيونية مثل فرح عبادي وجينا ديراوي وطارق تايلور خلفيات فلسطينية، وتتطرق وسائل الإعلام أحياناً إلى أصولهم.

يشعر الفلسطينيون في السويد أن من المهم بالنسبة إليهم الحفاظ على هويتهم الفلسطينية ورعايتها والحفاظ على روابطهم مع الوطن، والتفاعل مع التطورات السياسية في فلسطين. ويصف الكثيرون من أجيال مختلفة النشاط من أجل فلسطين بأنه "مسؤولية"، ويعتبرون التعريف عن أنفسهم بصفتهم فلسطينيين عملاً سياسياً بقدر ما هو فعل ثقافي.

قراءات مختارة: 

Doraï, Kamel. "Les parcours migratoires des Palestiniens de Suède et d'Europe du nord." Revue d’études palestiniennes, no. 75 (2000): 38-52.

Lindholm, Helena. (2021). ‘‘Refusing Refusal: The Struggles of Stateless Palestinians in the Swedish Migration Regime.’’ Statelessness & Citizenship Review 3, no.2 (2021): 267–86.

Lindholm Schulz, Helena with Juliane Hammer. The Palestinian Diaspora: Formation of Identities and Politics of Homeland. London: Routledge, 2003.