تعد الجالية الفلسطينية في
حافظ الفلسطينيون التشيليون على روابط ثقافية وسياسية قوية مع فلسطين من خلال الشبكات والمؤسسات ونشاطات التعبئة والمناصرة. كما أدوا دوراً رئيسياً مؤثراً في علاقات تشيلي الخارجية تجاه فلسطين وإسرائيل.
الشتات الفلسطيني في تشيلي
يندرج الوجود الفلسطيني في تشيلي ضمن علاقات واسعة بين الشرق الأوسط
و
ما الذي دفع الفلسطينيين إلى الهجرة إلى تشيلي؟ روى البروفيسور التشيلي الفلسطيني أوجينيو شهوان قصة انتقال أسلافه إلى تشيلي بقوله إن أحد أفراد عائلات فلسطينية، الذين كانوا يعملون في بيع التحف والمشغولات الدينية ويشاركون في معارض عالمية في إيطاليا ، وهو جورج هرمس من بيت لحم، التقى بشقيق رئيس تشيلي الذي دعاهم إلى بلده. فقَبِل هرمس الدعوة وأخذ معه جورج شهوان وجورج منصور .
إن قصة "ثلاثة رجال حملوا اسم جورج"، وهاجروا إلى تشيلي، هي مثال لما مرّ به كثيرون ممن قاموا بهذه الرحلة الطويلة؛ إنهم شباب مسيحيون عازبون تمتلك عائلاتهم متاجر للهدايا التذكارية وتبيع الأيقونات الدينية وكانوا يبحثون عن أسواق جديدة؛ كان لديهم المال اللازم لتمويل رحلتهم ونظرة منفتحة إلى العالم بفضل تلقيهم التعليم في المدارس التبشيرية. وقد ورد في السجلات التاريخية، مثل
تطورت الهجرة الفلسطينية إلى تشيلي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وتقلّبت على وقع الأحداث السياسية والتاريخية. وأدى تضافر قانون التجنيد الإجباري لغير المسلمين، الذي أقرّته الإمبراطورية العثمانية
في أواخر العقد الأول من القرن العشرين، والوضع الاقتصادي المتدهور خلال الحرب العالمية الأولى
، إلى ازدياد عدد الوافدين إلى تشيلي؛ وشهدت تلك الفترة والسنوات التي تلت سقوط الدولة العثمانية سنة 1923 وصول أغلبية أسلاف الفلسطينيين التشيليين. ثم استؤنفت موجات الهجرة إلى تشيلي عشية النكبة
وغداتها في 1947-1948، وعقب
وعلى مدى القرن الماضي، استقرت أغلبية الفلسطينيين في العاصمة
التأقلم و"النجاح"
كان سعي المهاجرين الفلسطينيين لبناء حياة أفضل في تشيلي صعباً جداً في البداية؛ فقد واجهوا العنصرية والتحيّز وصُنفوا على أنهم أتراك بسبب جوازات سفرهم العثمانية. وكانت سياسات الهجرة في جميع أنحاء المنطقة تحبذ على نحو واضح الأوروبيين البيض، وصوّرت الصحافة المحلية التشيليين العرب على أنهم "طفيليون"، وسخرت من رواد الأعمال العرب وصورتهم على أنهم يستغلون العمال والمستهلكين التشيليين.
وبحلول أوائل القرن العشرين، تغيرت هذه الصورة، وأثبت المهاجرون الفلسطينيون أنهم تجار ورجال أعمال ناجحون. وفي الواقع، من المعروف اليوم أن العائلات الفلسطينية هي من أغنى العائلات في البلد. فعلى سبيل المثال، تُعتبر عائلات يعرور وسومر وسعيد وهرمس رموزاً لصناعة النسيج وأصحاب الثروات. لقد ملأوا الفراغ في قطاع كان متخلفاً في تشيلي، كما ساهموا بشكل كبير في التصنيع السريع للبلد وغامروا في جميع مجالات الاقتصاد الوطني تقريباً. ودعمت مساعيهم اندماج الفلسطينيين في المجتمع التشيلي وعززت ارتقاءهم الاجتماعي والثقافي.
ومع أن من المهم ملاحظة تنوع التجربة الفلسطينية واختلافها تبعاً للطبقة أو الهوية أو الإرث الثقافي، إلاّ إن الروابط الثقافية والسياسية بين الفلسطينيين في تشيلي ظلت قوية.
هوية تشيلية فلسطينية
أُنشئ العديد من المؤسسات الاجتماعية والثقافية الفلسطينية في تشيلي. ويمثل
يمكن تقديم مثال آخر على المكانة المهمة للهوية العربية والفلسطينية في تشيلي في القطاع التعليمي. إذ تعتمد الكليات العربية في
في السنوات الأخيرة، سعت الأجيال الشابة من الفلسطينيين التشيليين إلى إعادة التواصل مع وطنهم الأم، يحركهم شعور عميق بالانتماء إلى فلسطين. ويتم التعبير عن ذلك من خلال الاهتمام المتزايد بالتقاليد والثقافات الفلسطينية، ولا سيما اللغة والموسيقى والطعام، وأيضاً من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والمشاركة في المنظمات الشبابية التشيلية الفلسطينية والاجتماعات التي تنظم مع شباب فلسطينيين آخرين من أمريكا اللاتينية الرحلات المنظمة إلى فلسطين.
التأثير والتعبئة السياسية المتسقة والمتسعة
لقد أثبت التجذّر في الثقافتين التشيلية والفلسطينية فاعليته في إيجاد مساحة فلسطينية مميزة ذات تأثير كبير في السياسة التشيلية. ويقوم رؤساء البلديات والنواب وأعضاء مجلس الشيوخ من أصل فلسطيني باستمرار بوضع القضية الفلسطينية في مقدمة جدول الأعمال السياسي. وينتمي هؤلاء السياسيون أيضاً إلى مختلف الأطياف السياسية في البلد، ومن بينهم شخصيات مثل فؤاد شاهين
(الرئيس السابق لـ
اضطلعت النخب التشيلية الفلسطينية تاريخياً بدور مركزي في تشكيل السياسة الخارجية التشيلية تجاه فلسطين. ولقد تمكنت نخب الشتات، بفضل الرأسمال السياسي الذي امتلكته، من التأثير في جميع مستويات الدولة التشيلية، واستخدمت ذلك الرأسمال وسيلة للتعبئة حول الوضع في فلسطين. فعلى سبيل المثال، امتنع الوفد التشيلي عن التصويت في الأمم المتحدة سنة 1947 لمصلحة قرار تقسيم فلسطين بعد ضغوط من المجتمع الفلسطيني. وافتُتح مكتب لـمنظمة التحرير الفلسطينية في تشيلي سنة 1978 وتحوّل إلى سفارة رسمية في سنة 1991. وفي سنة 2011، اعترفت الحكومة التشيلية رسمياً بالدولة الفلسطينية، وهو اعتراف تحقق كذلك بفضل المساهمات التاريخية للمجتمع التشيلي الفلسطيني.
كما شاركت المنظمات الفلسطينية في تشيلي في تعبئة الجالية، والمجتمع التشيلي الأوسع، سياسياً واجتماعياً وثقافياً. وكان الحدث الذي اضطلع بدور رئيسي في هذه التعبئة هو الانتفاضة الثانية
، عندما شُكلت مجموعة من الجمعيات والمنظمات الفلسطينية، أو ازداد نشاط تلك القائمة منها في المجتمع التشيلي. وقد انضوت هذه الجمعيات والمنظمات تحت مظلة الجالية الفلسطينية في تشيلي
، وضمت منظمات طلابية مثل
تتمتع الجالية الفلسطينية في تشيلي بمكانة راسخة في المجتمع المدني التشيلي الأوسع. على سبيل المثال، لدى اندلاع الحرب في 2023 على غزة ، أقامت الجالية تحالفاً واسعاً من منظمات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية، ونسقت نشاطها، لمطالبة الحكومة التشيلية باتخاذ إجراءات دبلوماسية من أجل وقف إطلاق النار وفرض عقوبات على إسرائيل.
الروابط الوطنية والتضامن من تشيلي إلى فلسطين
على مدى أكثر من مئة عام، وعلى الرغم من البعد الجغرافي عن فلسطين، فإن المجتمع التشيلي الفلسطيني خلق مساحات وفضاءات فلسطينية مميزة في جميع أنحاء المجتمع التشيلي ووسّعها وساهم في تعبئتها. لقد شكل التجذر القوي لأعضاء الجالية وتنظيمهم الجيد ونشاطهم الفعال، فضلاً عن اهتمام الأجيال الشابة بإعادة اكتشاف جذورهم الفلسطينية، الأسس التي دعمت، وتدعم، المكانة المركزية التي يحتلها الفلسطينيون التشيليون في إطار الشتات الفلسطيني والحركة العالمية من أجل تحقيق العدالة في أرض أجدادهم.
Baeza, Cecilia. (2014). “Palestinians in Latin America.” Journal of Palestine Studies 43, no.2 (Winter 2014): 59-72.
Beaume, Victor. “Politics Resettled: The Case of the Palestinian Diaspora in Chile.” Refugee Studies Centre, Working Paper Series. 2019.
Elsey, Brenda. Citizens and Sportsmen: Fútbol and Politics in Twentieth-Century Chile. Austin: University of Texas Press, 2011.
Glick, Edward B. “Latin America and the Palestine Partition Resolution.” Journal of Inter-American Studies 1, no.2 (April 1959): 211–222.
Mattar, Ahmad Hassan. Guía social de la colonia árabe en Chile [Social Guide to the Arab Colony in Chile]. 1941.
Norris, Jacob. The Lives and Deaths of Jubrail Dabdoub: Or, How the Bethlehemites Discovered Amerka. Stanford: Stanford University Press, 2023.
Paarlberg, Michael Ahn. "Turcos and Chilestinos: Latin American Palestinian Diaspora Nationalism in a Comparative Context." in Arab Worlds Beyond the Middle East and North Africa, edited by Mariam F. Alkazemi and Claudia E. Youakim, 11-28. Lexington Books, 2021.
Saffie, Nicole and Agar, Lorenzo. “A Century of Palestinian Immigration to Chile: A Successful Integration.” In V. Raheb, ed., Latin Americans with Palestinian Roots. Bethlehem: Diyar Publishers, 2012.
Schwabe, Siri. Moving Memory: Remembering Palestine in Postdictatorship Chile. Ithaca, NY: Cornell University Press, 2023.
محتوى ذو صلة
دبلوماسي
الدولة الفلسطينية: الاعتراف ورفع مستوى التمثيل في أميركا اللاتينية والوسطى وأوروبا، عموماً
2010 الى 2012
1 كانون الأول 2010 - 19 كانون الثاني 2012