تدمير تل الزعتر
ما تبقى من مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين في بيروت الشرقية بلبنان عندما انتهت المعارك. كان المخيم مسرحاً لقتال عنيف بين قوات الكتائب اللبنانية التي فرضت حصاراً على المخيم لأكثر من سبعة أشهر، والمقاتلين الفلسطينيين. قُتل حوالي 1500 من السكان في المذبحة الأخيرة.
مقدمة
كان مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين يقع في جوار بلدة الدكوانة، على بعد 6 كيلومترات إلى الشرق من وسط بيروت. في سنة 1975 تسبب موقع تل الزعتر الجغرافي- إلى جانب عوامل داخلية لبنانية، متداخلة مع أُخرى إقليمية – في وضع المخيم في قلب أحداث الحرب الأهلية، فتعرض مطلع سنة 1976 لحصار تمويني، تبعه هجوم عسكري نفذته ميليشيات مسيحية يمينية، ارتكبت في نهايته مجزرة، تسببت في مقتل المئات من سكانه وفي اجتثاث المخيم، وتهجير من تبقى من سكانه.
نشأة المخيم
في سنة 1949 أسست رابطة جمعيات الصليب الأحمر مخيم تل الزعتر على قطعة أرض كانت تابعة لملكية خاصة واستخدمت كمعسكر للجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية. ارتبط اسم المخيم بموقعه في منطقة خالية من السكان ينتشر فيها الزعتر البري. وفي حين أطلقت وكالة الأونروا على المخيم اسم "مخيم الدكوانة" تيمناً ببلدة الدكوانة المحاذية، حملت الوثائق الشخصية الصادرة عن أجهزة الدولة اللبنانية اسم تل الزعتر كمحل إقامة أو ولادة للاجئي المخيم.
ضم تل الزعتر عند إنشائه على مساحة 56.645 متراً مربعاً 1932 لاجئاً فلسطينياً هجّرتهم الميليشيات الصهيونية من قرى شمال فلسطين في عام النكبة. وكان المخيم عند تأسيسه يتكون من خيم موقتة نصبها الصليب الأحمر ومهاجع قديمة توزع سكانها بحسب انتمائهم إلى عشيرة واحدة، أو تحدرهم من قرية واحدة. إلى جانب عرب الرمل والعراقية (آل عراقي) القادمين من محيط حيفا، كانت في تل الزعتر أحياء لعرب الطوقين، والغوارنة (سكان بلدة الخالصة وقرى سهل الحولة). وكان هناك كذلك أحياء لسكان قرى فلسطينية في محيط حيفا وعكا وصفد، مثل علما وهونين ولزّازة وغيرها، وساهم هذا التكوين القائم على عنصري القرية الفلسطينية والعائلة الكبيرة (الحمولة) في استمرار تماسك هذه المجتمعات الصغيرة.
البنية التحتية
في سنة 1952 تولت وكالة الأونروا حديثة التأسيس مسؤولية خدمات المخيم، واستبدلت الخيم بأربع مجموعات من البركسات المسقوفة بالإسبست في أنحاء المخيم. ووصل العدد الإجمالي للبركسات إلى 14 ضم كل واحد منها غرفتين كبيرتين واثنتين صغيرتين. وكانت الغرف توزّع على الأسر استناداً إلى عدد أفرادها المسجلين لدى الوكالة. وقد افتقرت تلك المساكن إلى المراحيض الخاصة، وهو ما ألزم السكان باستخدام المراحيض العمومية التي بنتها الأونروا ووزعتها على أحياء المخيم.
أقامت الأونروا خزاناً مركزياً للمياه ونقطتي توزيع لخدمة حاجات سكان القسم الشمالي في المخيم، وغطت جزءاً من قناة الصرف الصحي ومياه الأمطار التي تتوسطه وتشقه نزولاً. بيد أن تدخل الوكالة بقي، بصورة عامة، محدوداً في تطوير البنية التحتية لتل الزعتر، إذ استمرت مشكلة المجاري المكشوفة التي تفيض شتاء، وتجتذب البعوض والحشرات في الصيف وتنبعث منها روائح كريهة، قائمة من دون حل. أمّا الشوارع فاقتصر وجودها على شارع رئيسي معبد جزئياً وضيّق بطول 200 متر تقريباً، يبدأ من مدخل المخيم (عند مقهى العيوطي)، وينتهي عند مدرسة بيسان، ويتفرع منه شارعان ثانويان. كما كان يمر في محيط المخيم أربعة شوارع تربطه بالأحياء اللبنانية.
وتفيد شهادات الأحياء من أبناء المخيم بأن الدولة اللبنانية أوصلت الكهرباء والماء إلى منازل تل الزعتر في أواسط الخمسينيات، وزودتها بعدادات لقراءة حجم الاستهلاك، يراقبها جباة لبنانيون.
الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية
في أوائل الخمسينيات وبحكم وقوع المخيم بجوار أكبر منطقة صناعية لبنانية، استقطب تل الزعتر آلاف اللاجئين الفلسطينيين الآخرين، الذين قدموا من مخيمات الجنوب، وفقراء لبنانيين من قرى وبلدات الجنوب والبقاع، فضلاً عن مهاجرين سوريين من منطقتي حوران والجولان السوريتين.
وفي حين انتقل بعض هؤلاء الفلسطينيين واللبنانيين إلى السكن في المخيم، أقام البعض الآخر، إلى جانب سوريين، بأكواخ صفيح في منطقتي البرج العالي وتلة المير الملاصقتين للمخيم. ثم التحق بجغرافيا المخيم جزء من سكان ضاحية الدكوانة أو الدكوانة الجديدة، كانت أغلبيته من اللبنانيين الشيعة الذين نزحوا من قريتي عيترون وعيناتا في قضاء بنت جبيل، إضافة إلى أسر فلسطينية تحسنت أوضاعها المعيشية فاشترت شققاً سكنية في الرقعة ذاتها. وتحول مخيم تل الزعتر وجواره، آنذاك، إلى أكبر معالم حزام البؤس المحيط ببيروت. وفي سنة 1974، وصل عدد سكان المخيم من الفلسطينيين إلى 14.951 نسمة .
العمل
اعتاش سكان مخيم تل الزعتر في أعوام نشأته الأولى من العمل في الأراضي الزراعية المحيطة به التي تمتد من أنطلياس شمالاً، حتى جسر الباشا والحازمية جنوباً، واشتغلوا في زراعة الحمضيات والخضروات. ومع نمو صناعة المفروشات والنسيج والبلاستيك في الخمسينيات والستينيات، وانتشار معاملها في منطقتي المكلّس والدكوانة المحيطتين بالمخيم، استقطبت تلك المصانع عدداً كبيراً من سكان تل الزعتر ومحيطه القريب. كما اجتذبتهم الأعمال اليدوية التي وفّرها نمو تجارة الترانزيت والمرفأ، وقطاعا الخدمات والعقارات اللبنانيين في الستينيات والسبعينيات. بيد أن عمل لاجئي تل الزعتر في هذه المشاغل والمصانع لم يحسّن أوضاعهم المعيشية، لأن القانون اللبناني حجب عنهم الاستفادة من الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وبدل نهاية الخدمة.
في السبعينيات، وبعد سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية على المخيم، صار تل الزعتر ميداناً لبعض المشاريع الصغيرة والمتوسطة ذات الطابع المدني، إذ أنشأت حركة "فتح" في أوائل السبعينيات معامل خياطة تتبع لمؤسسة ’صامد‘؛ وهي مشروع اقتصادي ربحي أنشأته حركة "فتح" للمساهمة في تشغيل أبناء المخيمات، وأنشأت كذلك في المخيم مشغلاً لصيانة السلاح، ما لبث أن تطور إلى مصنع أدارته لجنتها العلمية واستُفيد منه في مجال صيانة الأسلحة الخفيفة.
الخدمات والتعليم والصحة
في أوائل الخمسينيات، أنشأت وكالة الأونروا مدرسة ومطعماً، يقدم وجبة يومية رئيسية للأطفال، واستخدمت بعض البركسات كمقر موقت لهما. وأنشأت كذلك مركزاً لتوزيع المواد التموينية (الإعاشة)، وكانت خدماتها تدار من مكتب يقع بين مطعم الوكالة ومركز الإعاشة. وفي سنوات المخيم الأخيرة، انتقلت إدارة مكتب الأونروا للعمل من منطقة سن الفيل.
وبالتدريج أنشأت الأونروا في تل الزعتر 5 مدارس تغطي مرحلتي التعليم الابتدائي والتكميلي وتحمل أسماء مدن فلسطينية هي بيسان وجنين والناصرة وصانور والمجدل، وكان بعضها يقع خارج حدود المخيم. وكان الراغبون في استكمال تعليمهم مضطرين إلى الالتحاق بمدارس رسمية لبنانية أو خيرية خارج نطاق المخيم.
وأنشأت الأونروا كذلك مركز نقاهة موقتاً للمصابين بالأمراض الصدرية خدم أيضاً لاجئين من خارج تل الزعتر. أمّا العيادة الرئيسية للوكالة، فكانت تقع قرب مستديرة المكلس وخدمت لاجئي مخيمي تل الزعتر وجسر الباشا في الوقت ذاته. وفي سنة 1969، أنشأ الهلال الأحمر الفلسطيني عيادة داخل المخيم لتعويض ضعف عيادة الأونروا، تطُوّرت لاحقاً إلى مستشفى أُقيم مكان مسجد قديم، فبات الطابق العلوي من المبنى مسجداً، والسفلي مستشفى.
تطور الإدارة والسيطرة
بينما اقتصرت مهام الأونروا وإدارتها في المخيم على خدمات التعليم والصحة والإعاشة، أنشأ جهازا الاستخبارات العسكرية اللبنانية، المعروف بالمكتب الثاني، والدرك في ستينيات القرن الماضي مركزين في تل الزعتر لفرض رقابة أمنية عليه وحظر النشاط السياسي داخله، إلى جانب فرض قائمة من الممنوعات على السكان تتراوح بين حظر ترميم المنازل تحت طائلة الغرامة، ومنع التجوال بعد الساعة التاسعة ليلاً، ومنع عقد أي لقاء جماعي، ومنع استقبال ضيف من خارج المخيم من دون الحصول على تصريح بذلك.
بالتزامن مع اشتباكات متقطعة بين فدائيي حركة "فتح" ومنظمة الصاعقة مع الجيش اللبناني في الجنوب في تشرين الثاني/ نوفمبر 1969، اندلعت انتفاضة في المخيمات الفلسطينية في لبنان، كان نشطاء الخلايا السرية في تل الزعتر جزءاً منها. فأُجبر موظفو المركزين الأمنيين اللبنايين على مغادرته مع مقتنياتهم خلال يومين. وهي الأحداث ذاتها التي أدّت مجتمعة إلى توقيع اتفاقية نظمت العلاقة بين الطرفين في القاهرة في تشرين الثاني/ نوفمبر 1969، بين رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عرفات وقائد الجيش اللبناني العماد إميل بستاني ممثلاً عن الحكومة اللبنانية.
مثّل حلول أعضاء التنظيمات الفدائية الفلسطينية محلّ رجال المكتب الثاني اللبناني في المخيمات انقلاباً متعدد المستويات في حياة المخيمات ولاجئيها؛ فقد أخرج هذا الانقلاب المخيمات، منذ ذلك الحين، عن سيطرة الدولة، ووضعها تحت سلطة التنظيمات الفدائية. وبقصد إدارة شؤون المخيمات، أسّست الفصائل المسلحة لجاناً شعبية مهمتها متابعة الأمور المعيشية للسكان، وهو ما أخفقت هذه اللجان في تحقيقه في ظلّ استمرار الأونروا في إدارة خدمات التعليم والصحة والإعاشة.
ومع تضخم أعداد سكان تل الزعتر جرّاء توافد النازحين الجدد إليه، وسّعت حركة "فتح" في السبعينيات نطاق عملها التنظيمي داخله وانطلاقاً منه؛ فبات تل الزعتر قاعدة لتنظيمها ولكوادرها القيادية في بيروت الشرقية، وهو ما جرى أيضاً مع منظمة الصاعقة، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وجبهة التحرير العربية والجبهة الشعبية – القيادة العامة. وغطى حضور الفصائل الفلسطينية ونشاطات ممثليها على العمل الأهلي داخل المخيم الذي اقتصر عملياً على مساهمات ناشطين من الخارج. فقامت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بتسهيل عمل مؤسسة "عامل" اللبنانية داخل المخيم. وبعد سنة 1973، شارك طلبة من الجامعة الأميركية في العمل التطوعي بترتيب من حركة "فتح". كما شهد تل الزعتر حضور متطوعين أجانب، مثل السويدية إيفا شتول التي عملت في مستوصف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وبقيت في المخيم حتى إخلاء سكانه والمجازر التي وقعت في 12 آب/ أغسطس 1976. كما شهد تل الزعتر نشاطاً مميزاً لمتطوعين من جمعية الصداقة الفلسطينية الهولندية التي كانت توفد خلال الصيف بين 40 و50 متطوعاً، يقومون بأعمال التنظيف وحفر الملاجئ، ويبيتون في مبنى مدرسة جنين.
كان للأزمة الحكومية اللبنانية في أيار/ مايو 1973 وتداعياتها، أثرها في مخيم تل الزعتر جرّاء فشل الجيش في صد إنزال إسرائيلي في بيروت قتل خلاله ثلاثة من قادة منظمة التحرير الفلسطينية، وما أعقبه من اشتباكات بين الفصائل الفلسطينية والجيش اللبناني في بيروت. فبعد تعرضه للقصف المدفعي المباشر، وتطاير "ألواح الزينكو" بسبب تساقط قذائف الجيش على بيوته، أصبح المخيم بؤرة للتعبئة السياسية الناجمة عن حالة الاستقطاب الداخلي التي خلّفتها المواجهة بين الجيش اللبناني والمقاومة الفلسطينية.
وعلى خلفية تصاعد الخطاب التحريضي على الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان من الأحزاب اليمينية، تضاعف الضرر المنسوب إلى مخيم تل الزعتر، جرّاء توسع القدرات العسكرية للفصائل الفلسطينية فيه وتمددها إلى ضاحية النبعة الشيعية على مداخل بيروت حتى لو لم تكن ملاصقة للمخيم. وصارت صورة تل الزعتر، في نظر محيطه السكاني المسيحي، تعبّر عن "معسكر" لا عن مخيم للاجئين. وبحلول سنة 1975، أصبح تل الزعتر بؤرة نزاعات نجمت عن التقارب بين سكانه وسكان الأحياء القريبة منه في الأعوام التي سبقت الحرب الأهلية، وصار سكان هذه الأحياء، تبعاً لذلك، ينظرون إليه عند مرورهم بقربه باعتباره مصدر قلق ورعب دائمين، وبات المخيم مع مدنييه، قُبيل انفجار الحرب الأهلية سنة 1975، أشبه بجسم غريب مزروع في غير مكانه.
وحددت هذه النظرة إلى مخيم تل الزعتر مصيره إلى حد كبير، وخصوصاً بعد أن اقترن، خلافاً لغيره من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، بالشرارة التي أشعلت الحرب الأهلية في 13 نيسان/ أبريل 1975، ذلك إن ركاب الحافلة، وعددهم 26، الذين قضوا في مجزرة حي عين الرمانة كانوا من سكان المخيم الفلسطينيين واللبنانيين العابرين لذلك الحي الذي كان يخضع لسيطرة ميليشيات حزب الكتائب، وهم في طريق عودتهم إلى المخيم من احتفال عسكري نظمته الجبهة الشعبية – القيادة العامة غربي بيروت.
الحصار والمجزرة
في بداية سنة 1976، قامت ميليشيات حزبَي الكتائب والأحرار وحلفاؤها (بما في ذلك حركة الشبيبة اللبنانية بقيادة مارون الخوري، وتنظيم حراس الأرز) بتنفيذ سياسة إخلاء القطاع الشرقي والشمالي من بيروت من الفلسطينيين والمسلمين، فهاجمت منطقة المسلخ -الكرنتينا وسيطرت عليها، ثم مخيمي ضبية وجسر الباشا ومنطقة النبعة وأخيراً مخيم تل الزعتر. في أوائل كانون الثاني/ يناير 1976، تعرض مخيم تل الزعتر لحصار تمويني اشتدّ على مدى الأشهر السبعة التالية. وعندما أخفق هذا الحصار في تحقيق أغراضه الكاملة، قامت هذه الميليشيات في 22 حزيران/ يونيو، بمحاصرة السكان بالكامل ودمرت جميع مصادر المياه وشنت هجوماً استخدمت فيه الأسلحة الثقيلة. وبعد 52 يوماً من المقاومة في المخيم، تم عقد اتفاق بين الفصائل الفلسطينية وحزب الكتائب بواسطة مبعوث جامعة الدول العربية لإجلاء المدنيين. لكن في صباح يوم 12 آب/ أغسطس، وهو يوم الإخلاء، ارتكبت الميليشيات اليمينية مجزرة بحق السكان، فقتلت نحو 800 شخص، بالإضافة إلى مقتل أكثر من 3.400 شخص بين 22 حزيران/يونيو وعشية يوم الإخلاء. ولا يزال العديد من الأشخاص في عداد المفقودين حتى يومنا هذا. وبعد المجزرة، تم تجريف المخيم مباشرة، منعاً لإعادة بنائه.
الناجون من سكان المخيم
سكنى الدامور
بعد مجزرة تل الزعتر وتهجير معظم سكانه إلى غربي بيروت وبلدات سهل البقاع، قررت قيادة حركة "فتح" المضي قُدُماً في إسكان مهجري تل الزعتر في بلدة الدامور في منطقة الشوف التي هُجّر سكانها في إثر هجوم مقاتلي القوات المشتركة اللبنانية - الفلسطينية في كانون الثاني/ يناير 1976.
كان دافع ياسر عرفات في اعتماد هذا الخيار اهتمامه بتجميع سكان تل الزعتر في مكان واحد، حفاظاً على ديمومة البيئة الاجتماعية التي كانت قائمة بينهم أصلًا في المخيم، وتسهيل عملية تقديم المساعدة لهم، وهو ما سيكون أصعب في حال تفرقهم في جهات لبنان المتعددة. وسبق انتقال سكان تل الزعتر إلى بلدة الدامور انتقال أُسَر الطاقم الطبي لمستشفى الهلال الأحمر في تل الزعتر، الذي أنشأ مركزاً طبياً وصحياً أُطلق عليه اسم "مستشفى الكرامة".
بالتزامن مع تأهيل مستشفى الدامور، كلّف ياسر عرفات الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة في 31 آب/ أغسطس 1976 بتأسيس مدرسة سُمِّيت "مدرسة أبناء وبنات تل الزعتر". و بعد ضغوط الأهالي على وكالة الأونروا كي تتولى العملية التعليمية، أنشأت الأونروا بدءاً من مطلع سنة 1977، على مراحل، أربع مدارس تعمل بنظام الدوامين للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة. وقد أطلقت الإدارة الجديدة لمدارس الأونروا على المدارس الأربع أسماء مدن فلسطينية، بينها المجدل وجنين وبيسان، ونظم مركز تأهيل المرأة التابع لمؤسسة تل الزعتر، الذي أقامه الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، صفوفاً لمحو الأمية للكبار وتعليم الخياطة بالتزامن مع إنشاء بيت أطفال الصمود في بيروت، الذي تأسس بجهد مشترك لتربويين يعملون في مركز التخطيط التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية. وقامت جمعية بيت أطفال الصمود برعاية 300 طفل تتراوح أعمارهم بين عام واحد و15 عاماً كانوا قد فقدوا والديهم خلال الحرب ومجزرة تل الزعتر.
بعد اجتياح 1982
كان للاجتياح الإٍسرائيلي الواسع لأراضي لبنان في حزيران/ يونيو 1982، دور في تشتيت شمل الفلسطينيين المقيمين ببلدة الدامور، الذين راحت أعدادهم تتناقص مع الوقت بسبب غارات الطيران الإسرائيلي المتكررة على البلدة. فبعد ثلاثة أيام من الغزو أي في 9 حزيران، وصلت القوات البرية الإسرائيلية إلى تخوم الدامور، فكان سهل الدامور في ذلك اليوم مسرحاً لمواجهة كبيرة بين قوة فلسطينية وفرقتين إسرائيليتين.
وبعد ترحيل المقاتلين الفلسطينيين وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت إلى خمس دول عربية في أيلول/ سبتمبر 1982، غادر من تبقى من الفلسطينيين المقيمين بالدامور هذه البلدة نهائياً، ليلتحقوا بأولئك الذين غادروها بالتدريج جراء استهدافها بالغارات الإسرائيلية، وتوجه معظمهم إلى مناطق أكثر أمناً شمالاً وجنوباً، حيث باتوا يتوزعون على أكثر من 20 تجمعاً، بينها بر الياس ومخيم ويفل في البقاع الأوسط ومخيمات المية ومية وتجمع السكة (وهو مخيم غير رسمي) في محيط صيدا والرشيدية والبرج الشمالي قرب صور وكذلك على مخيمي البداوي ونهر البارد في الشمال.
استفادت عائلات تل الزعتر التي لجأت إلى مخيمَي اللاجئين الفلسطينيين شمال طرابلس من بُعدها عن التأثيرات المباشرة للاجتياح الإسرائيلي، فسهلت اللجنة الشعبية والفصائل الفلسطينية الموجودة في مخيم البداوي إسكان النازحين الجدد في مدارس الأونروا، ثم تولت تمويل إيوائهم في منازل موقتة. فنشأ في مخيم البداوي تجمّع يضم أُسر تل الزعتر المهجّرة، عُرف باسم "حي تل الزعتر"، ضم نحو 250 عائلة.
وفي سنة 2011، بادرت مجموعة من أبناء تل الزعتر المقيمين بمخيم مار إلياس للاجئين في بيروت إلى تأسيس رابطة خاصة بهم، لإعادة التواصل بين أهالي المخيم في لبنان والخارج، وإحياء ذكرى سقوط المخيم سنوياً، وأنشأت الرابطة، برئاسة محمد عبدو ضاهر، فرعاً لها في برلين، حيث يقيم عدد من سكان تل الزعتر السابقين.
سرحان، باسم. "المخيم الفلسطيني في ظل الثورة". "شؤون فلسطينية"، العدد 41-42 (كانون الثاني/ يناير 1975).
سرحان، باسم. "مخيمات الفلسطينيين: نظرة سوسيولوجية". "شؤون فلسطينية"، العدد 36 آب/ أغسطس 1974.
صنيفر، ريجينا. "ألقيت السلاح: امرأة في خضم الحرب اللبنانية". ط .2. بيروت: دار الفارابي، 2009.
العلي، محمد. "مخيم تل الزعتر: وقائع المجزرة المنسية". الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2022.
العلي، محمود. "الواقع الاجتماعي للفلسطينيين في لبنان: التدامج والتمايز 1948-2005". بيروت: باحث للدراسات، 2 – 2009 .
قصير، سمير. "حرب لبنان: من الشقاق الوطني إلى النزاع الإقليمي (1975-1982)". ترجمة سليم عنتوري. بيروت: دار النهار للنشر، 2007 .
لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني. "اللجوء الفلسطيني في لبنان، كلفة الأخوة في زمن الصراعات". بيروت: منشورات لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني، 2016 .
مندس، هاني. "الطريق إلى تل الزعتر". "شؤون فلسطينية"، العدد 59 (تموز/ يوليو – آب/ أغسطس- أيلول/ سبتمبر 1976).
يزيد صايغ. "الكفاح المسلح والبحث عن الدولة: الحركة الوطنية الفلسطينية، 1949-1993". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2002.
----
مقابلات: عدنان عوض ( أبو رياح) (1 حزيران/ يونيو - 10 تموز/ يوليو 2024).
محتوى ذو صلة
نص تاريخي
نص اتفاق القاهرة المعقود ما بين السلطات اللبنانية والمنظمات الفدائية الفلسطينية
3 تشرين الثاني 1969