كان البريطانيون، خلال عهد الانتداب، مولعين بتشكيل "لجان تحقيق" كلما حمل الفلسطينيون السلاح في وجه الحكم الاستعماري البريطاني والاستيطان الصهيوني. وكانت مهمة هذه اللجان تقصي أسباب ما كان يسميه البريطانيون "الاضطرابات" وتقديم توصيات لوضع سياسات من شأنها تحسين الوضع. وفي الغالب كان المفوّضون يمضون عدة أسابيع في فلسطين يجرون خلالها مقابلات مع مئات الأشخاص، بمن فيهم مسؤولون بريطانيون يقيمون ويعملون في فلسطين، وشخصيات قيادية في المجتمعَين الفلسطيني واليهودي. وقد زارت أربع لجان بريطانية فلسطين في عشرينيات القرن العشرين وثلاثينياته، وهي:
أرسلت الحكومة البريطانية لجنة بيل إلى فلسطين رداً على الثورة الفلسطينية الكبرى
التي اندلعت في نيسان/ أبريل 1936. وعلى الرغم من أن الفلسطينيين شاركوا في مقاومة منظمة ضد الحكم البريطاني قبل سنة 1936، فإن هذه الثورة كانت واسعة الانتشار، ومنظمة للغاية، ومتواصلة، وانضم إليها مقاتلون عرب من خارج فلسطين. وقد استخدم الجيش البريطاني في فلسطين أساليب وحشية لسحق الثورة، منها الاعتقال الجماعي، وهدم المنازل، والإعدامات. وقد وصلت اللجنة في الأسبوع الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 1936، خلال فترة سادها بعض الهدوء. وكان
وخلال الأشهر التي تلت تشرين الثاني 1936، استمعت اللجنة إلى مئات الساعات من الشهادات العلنية والمغلقة (أي جلسات سرية). وكانت المهمة الرسمية التي حُدّدت للجنة قبل مغادرتها لندن هي:
التثبّت من الأسباب الكامنة وراء الاضطرابات التي اندلعت في فلسطين في أواسط نيسان؛ التحقيق في كيفية تنفيذ صك الانتداب على البلد نظراً إلى التزامات الدولة المنتدَبة نحو العرب واليهود؛ التثبّت، بعد تفسير نصوص الانتداب تفسيراً صحيحاً، مما إذا كان لدى العرب أو لدى اليهود أي مظالم مشروعة ناجمة عن الطريقة التي اتُّبعت فيما مضى، أو التي تُتبع الآن، في تنفيذ الانتداب وفي حال اقتنعت اللجنة بأن أياً من هذه المظالم له ما يبرره، ترفع التوصيات من أجل إزالتها ومنع تكررها.
لكن محاضر الشهادات السرية تكشف أن المفوضين تجاوزوا حدود صلاحياتهم، وتضمنت تجاوزاتهم سؤال الشهود عن رأيهم في التقسيم كحل ممكن.
من الناحية الإجرائية، لم تطلب اللجنة أحداً للإدلاء بشهادته، إذ كان في إمكان أي شخص التقدّم للشهادة، طالما التزم بإجراءات التقديم والمواعيد النهائية. وكانت
لم يشارك الفلسطينيون في الجلسات السرية، على الرغم من أن إجراءات اللجنة سمحت لهم بالتقدم بطلبات للقيام بذلك، ويعود ذلك إلى أن أسماء الذين شاركوا في الجلسات السرية نُشرت جميعها، ولم تكن القيادة الفلسطينية تريد أن يُنظر إليها على أنها تتفاوض مع البريطانيين خلف الأبواب المغلقة، في الوقت الذي يعاني الشعب الفلسطيني أشد المعاناة. وعلى النقيض من ذلك، قدم القادة الصهيونيون شهادات غزيرة في الجلسات السرية، كما أن المسؤولين البريطانيين العاملين لدى حكومة فلسطين، بمختلف مراتبهم، أدلوا بشهادات سرية، وكذلك فعل البريطانيون المقيمون والعاملون في فلسطين من غير المرتبطين بالحكومة.
شكّلت الجلسات السرية الإطار الذي جرى فيه مناقشة وإعداد تفصيلات التقسيم. وكان ريجينالد كوبلاند، العضو الأكاديمي في اللجنة، من أشد مؤيدي الفكرة، وقد عمل بشكل وثيق مع المسؤولين البريطانيين المقيمين بفلسطين، بمن فيهم
في 7 تموز 1937 نُشر التقرير النهائي وجاءت التوصية بالتقسيم بصورة موجزة في آخره، مع خريطة مُرفَقة. وقد تمت استشارة
لم تُنفذ توصيات تقرير بيل في ذلك الحين، وقامت لجنة وودهيد، التي زارت فلسطين سنة 1938، بدراسة لوجستيات التقسيم عن كثب، وقررت أنه غير قابل للتنفيذ. لكن بالنسبة إلى القيادة الصهيونية، شكل تقرير بيل دليلاً واضحاً على استعداد البريطانيين (على المستوى الرسمي) لدعم مبدأ الدولة اليهودية في فلسطين. وقد استُخدِمت فيما بعد خريطة التقسيم المدرَجة في تقرير بيل كأساس لخريطة التقسيم التي وافقت عليها الأمم المتحدة
سنة 1947. وبعبارة أخرى، وعلى الرغم من أن الأمر استغرق عشر سنوات إضافية لتقسيم فلسطين، من خلال
الحوت، بيان نويهض. "القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين، 1917-1948". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1981.
Golani, Motti. “The Meat and the Bones: Reassessing the Origins of Partition in Mandate Palestine.” In Laura Robson and Arie Dubnov, eds., Partitions: A Transnational History of Territorial Separatism. Stanford, CA: Stanford University Press, 2019.
Palestine Royal Commission Report. London: His Majesty’s Stationary Office, National Archives, 1937.
Parsons, Laila. “The Secret Testimony to the Peel Commission (Part I): Underbelly of Empire.” Journal of Palestine Studies 49, no. 1 (Autumn 2019): 7–24.
Parsons, Laila. “The Secret Testimony of the Peel Commission (Part II): Partition.” Journal of Palestine Studies 49, no. 2 (Winter 2020): 8–25.
Sinanoglou, Penny. “The Peel Commission and Partition, 1936–1938.” In Rory Miller, ed., Britain, Palestine, and Empire: The Mandate Years, 119–40. Farnham, UK: Ashgate, 2010).
محتوى ذو صلة
سياساتي - برامجي عنف
لجنة بيل تتقصى أسباب الثورة الفلسطينية الكبرى
1936 الى 1937
11 تشرين الثاني 1936 - 24 كانون الثاني 1937
دبلوماسي استعمار
خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين، 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947
تمهيد الطريق للنكبة الوشيكة