بعد صدمة حرب عام 1967 ، ومع تصاعد نشاط المجموعات المسلّحة الفلسطينيّة، تجري محاولات لتنظيم وإعادة تنظيم هذه المجموعات. في 11 كانون الأول/ ديسمبر، يؤسّس جورج حبش الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين . في 24 كانون الأول/ ديسمبر، يقدّم رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد الشقيري ، استقالته فيخلفه يحيى حمّودة موقّتاً. تجتمع في القاهرة من 17 إلى 19 كانون الثاني/ يناير 1968، وبناء على دعوة من "فتح "، 8 منظمات بهدف وضع استراتيجية سياسيّة وعسكريّة موحّدة. بيد أنّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير و"الجبهة الشعبية" ترفضان الحضور، على أساس أنّ منظمة التحرير الفلسطينيّة هي إطار الوحدة الفلسطينية.
يرتبط تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في تموز/ يوليو 1967 بـ "إقليم فلسطين " في حركة القوميين العرب ، الذي كان قد بدأ، منذ مطلع الستينيات، يشجع أعضاءه على الالتحاق بالكليات الحربية في كل من مصر وسوريا والعراق . وفي نهاية سنة 1964، انطلق النشاط العسكري لـ "إقليم فلسطين" وسقط أول الشهداء، وهو خالد أبو عيشة ، في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 1964. ثم صار "إقليم فلسطين" ينفّذ عملياته العسكرية عبر مجموعات "أبطال العودة "، التي ضمت مناضلين من حركة القوميين العرب ومن جيش التحرير الفلسطيني ، أو عبر التنظيم الفدائي الذي شكّله الإقليم باسم "شباب الثأر ". بيد أن تلك العمليات ظلت محدودة ولا يُعلن عنها غالباً، وذلك تجنباً لتوريط مصر وسوريا في حرب مع إسرائيل ليستا مستعدتين لها، وهو ما عبّر عنه شعار "فوق الصفر وتحت التوريط".
التأسيس
في أعقاب
وسرعان ما تعثرت مسيرة هذا الإطار الجبهوي نتيجة خلافات سياسية، وخصوصاً بين "جناح" القوميين العرب، بقيادة جورج حبش ووديع حدّاد ومصطفى الزبري وأحمد اليماني ، الذي راح يتحوّل نحو اليسار، و"جناح" جبهة التحرير الفلسطينية، بقيادة أحمد جبريل، الذي قرر، في تشرين الأول/ أكتوبر 1968، الانسحاب وتشكيل إطار جديد باسم "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة ". وفي شباط/ فبراير 1969، زعم عدد من قياديي الجبهة، على رأسهم نايف حواتمة ، أن من المستحيل تحوّل "تنظيم بورجوازي صغير إلى تنظيم ماركسي- لينيني"، وقرر الانشقاق عن الجبهة وتشكيل تنظيم جديد باسم "الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين "، ثم انشقت عن الجبهة الشعبية، في آب/ أغسطس 1970، مجموعة الضباط الناصريين بقيادة أحمد زعرور وشكّلت "منظمة فلسطين العربية " التي انضمت بعد ذلك إلى حركة "فتح ". وفي آذار/ مارس 1972، انشق عدد قليل آخر من أعضاء الجبهة "اليساريين"، وشكّلوا "الجبهة الشعبية الثورية لتحرير فلسطين "، التي لم تعمر طويلاً.
منطلقات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
في بيانها التأسيسي، أكدت الجبهة الشعبية أن هزيمة الجيوش العربية في حزيران مثّلت "بداية مرحلة جديدة من العمل الثوري تباشر فيه الجماهير دورها القيادي والمسؤول في مقارعة الإمبريالية و
تطوّر مواقف الجبهة الشعبية السياسية والكفاحية
سعت الجبهة الشعبية، بعد هزيمة حزيران 1967، إلى بناء قواعد ارتكازية لممارسة الكفاح المسلح داخل الضفة الغربية، وساهمت من خلال مجموعاتها المسلحة، بقيادة محمد الأسود
(
وبعد انحسار ظاهرة العمل الفدائي في المناطق الفلسطينية المحتلة، خططت الجبهة الشعبية كي يكون الأردن
هو قاعدة الإسناد الخارجية للمقاومة الفلسطينية المسلحة، وطرحت فكرة تحويل عمّان
إلى "هانوي
" عربية. ثم عارضت موافقة كل من الأردن ومصر على "
واعتبرت الجبهة الشعبية، بعد خروج قوات المقاومة الفلسطينية من الأردن، أن أحد الأخطاء الرئيسية لحركة المقاومة هو التركيز على الطبيعة "القطرية" للثورة الفلسطينية، وطرح نفسها بصفتها "البديل الكامل للحركة الوطنية الأردنية"، معتبرة أن خضوع المقاومة لقيادة تمثّل "تحالف البرجوازية والبرجوازية الصغيرة إجمالاً" هو الذي أوقعها في هذه الأخطاء. وبعد أن نقلت الجسم الرئيس من مقاتليها إلى لبنان
، أكدت الجبهة أن هدف المقاومة في لبنان ينحصر في ضمان "التواجد وحرية ممارسة كافة أشكال القتال ضد العدو الإسرائيلي". واستطاع وديع حداد أن يدير شبكة تحالفات بين "فرع العمليات الخارجية" وبين العديد من الحركات الراديكالية مثل: "الجيش الأحمر الياباني
"، و"
وكانت الجبهة الشعبية قد عارضت، بعد حرب عام 1973 ، مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية في جهود التسوية، التي تهدف، كما ارتأت، إلى تصفية ظاهرة الكفاح المسلح وإقامة دولة فلسطينية لن تكون "دولة وطنية" ولن تشكل قاعدة لمواصلة النضال. وعقب انعقاد دورة المجلس الوطني الفلسطيني الثانية عشرة في حزيران/ يونيو 1974 وتبنيها البرنامج المرحلي (برنامج النقاط العشر )، قامت الجبهة الشعبية، في 26 أيلول/ سبتمبر 1974 بسحب ممثلها من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، ثم شاركت، في 15 تشرين الأول/ أكتوبر 1974، مع ثلاث منظمات فدائية أُخرى في تأسيس "جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية " التي وقفت ضد البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير.
ولدى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية
، في أواسط نيسان/أبريل 1975، انخرطت الجبهة الشعبية في هذه الحرب، مع فصائل منظمة التحرير الأُخرى وإلى جانب الحركة الوطنية اللبنانية
. وعندما قام الرئيس أنور السادات
بزيارة القدس في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 1977، حمّلت الجبهة الشعبية جميع أطراف "التسوية السياسية"، بما فيها قيادة منظمة التحرير، مسؤولية "بادرة السادات الخيانية"، ثم أدانت في أيلول/ سبتمبر 1978، في إطار إجماع وطني فلسطيني، "
بعد خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، نقلت الجبهة الشعبية مركز قيادتها إلى دمشق. كما صارت تولي اهتماماً متزايداً لتعزيز حضورها داخل المناطق الفلسطينية المحتلة، من خلال التركيز على تطوير المنظمات الجماهيرية للشباب والعمال والطلاب والنساء. وبعد وقوع الانشقاق داخل حركة "فتح"، وقيام ياسر عرفات
بزيارة القاهرة
في كانون الأول/ ديسمبر 1983، شاركت الجبهة الشعبية، في آذار/ مارس 1984، في تشكيل "التحالف الديمقراطي
"، الذي جمعها مع الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والحزب الشيوعي الفلسطيني
وجبهة التحرير الفلسطينية. ثم عادت وشاركت، بعد توقيع "اتفاق العمل الفلسطيني - الأردني المشترك
" بين ياسر عرفات والملك حسين
(شباط/ فبراير 1985)، مع خمسة فصائل فلسطينية أُخرى في تشكيل "جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني
" في آذار/ مارس 1985، بصفتها "إطاراً مؤقتاً يعمل لاستعادة منظمة التحرير إلى خطها الوطني". بيد أنه، مع انهيار الاتفاق الفلسطيني – الأردني في شباط/ فبراير 1986، أصبحت الطريق سالكة أمام انعقاد الدورة التوحيدية للمجلس الوطني الفلسطيني في
بعد اندلاع الانتفاضة الأولى
في كانون الأول/ ديسمبر 1987، انخرطت الجبهة الشعبية في فاعلياتها النضالية، كما كانت طرفاً في "القيادة الوطنيّة الموحّدة للانتفاضة
". وخلال دورة المجلس الوطني الفلسطيني التاسعة عشرة، التي عُقدت في الجزائر في تشرين الثاني/ نوفمبر 1988، رحبت بوثيقة "إعلان الاستقلال" التي تضمنت إعلان الدولة الفلسطينية على أساس قرار الجمعية العامة رقم 181 (1947)، لكنها تحفظت على بيان المجلس الذي تضمن الموافقة على قرارَي
وقد عقدت الجبهة الشعبية، منذ مؤتمرها الأول في آب/ أغسطس 1968 إلى اليوم، سبعة مؤتمرات عامة، انعقد آخرها ما بين 28 تشرين الثاني/ نوفمبر و3 كانون الأول/ ديسمبر 2013، فأكد "استمرار كفاح شعبنا لتحقيق الهدف الاستراتيجي الذي تخوضه الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لتحرير كل شبر من الاحتلال الصهيوني الاستعماري الكولونيالي لإقامة الدولة الديمقراطية على كامل التراب الوطني الفلسطيني"، ودعا إلى "العمل على تطوير وتعزيز وحدة الشعب الفلسطيني باعتبارها السلاح الأمضى في الكفاح الوطني من أجل تحقيق المهام الوطنية والخروج من دائرة الانقسام" الذي وقع في حزيران/ يونيو 2007 ما بين حركَي "فتح" و"حماس".
وكان المؤتمر السادس للجبهة، الذي عُقد في تموز/يوليو 2000، قد انتخب مصطفى الزبري (أبو علي مصطفى) أميناً عاماً للجنة المركزية، خلفاً للدكتور جورج حبش، الذي قرر التخلي عن موقعه هذا بعد أن شغله منذ تأسيس الجبهة. وفي 27 آب/ أغسطس 2001، قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتدبير عملية اغتيال مصطفى الزبري في مكتبه بمدينة البيرة
، بعد عودته مع عدد كبير من أعضاء الجبهة وكوادرها للاستقرار في الضفة الغربية وقطاع غزة. وبعد أسابيع قليلة، في 3 تشرين الأول/ أكتوبر، انتخبت اللجنة المركزية للجبهة أحمد سعدات
أميناً عاماً جديداً للجبهة. غير أنه سرعان ما قامت أجهزة السلطة الفلسطينية
باعتقاله في أواسط كانون الثاني/ يناير 2002، بعد قيام الجناح العسكري للجبهة المعروف باسم "كتائب أبو علي مصطفى
"، باغتيال الوزير الإسرائيلي المتطرف رحبعام زائيفي
في 17 تشرين الأول. وقد اعتقل سعدات في مقر ياسر عرفات أولاً، ثم في معتقل أريحا
تحت حراسة أميركية – بريطانية. وفي آذار/ مارس 2006، قامت القوات الإسرائيلية باقتحام سجن أريحا، واختطفت سعدات، ومجموعة من السجناء الفلسطينيين، ليتم اعتقالهم في سجن
وعلى الرغم من تأثر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالتراجع العام الذي صار يشهده نفوذ القوى المعبّرة عن اليسار الفلسطيني، منذ تسعينيات القرن العشرين، نتيجة عوامل موضوعية وذاتية عدة، وتكرّس الاستقطاب الثنائي بين حركتَي "فتح" و"حماس"، فإنها لا تزال تمثّل القوة الأكثر حضوراً في صفوف هذا اليسار.