جرت عملية يفتاح في سياق خطة دالت، وكان نظمها وهندسها قائد البلماح يغآل ألون. فقد شنّت قوات البلماح عملية يفتاح بين أواسط نيسان/ أبريل وأواخر أيار/ مايو 1948، من أجل الاستيلاء على الجليل الشرقي قبل نهاية الانتداب البريطاني في 15 أيار، ونجحت في احتلال المنطقة كلها و"تطهيرها" من سكانها. وكانت كتيبة البلماح الأولى رأس الحربة في هذه العملية. أمّا سكان الجليل الشرقي من الفلسطينيين، الذين لم يهربوا على الرغم من الهجمات والتهديدات، فطُردوا من ديارهم حال وقوع قراهم وبلداتهم في قبضة الاحتلال. وقد خلت قرى الجليل الشرقي الفلسطينية كلها من سكانها، ودُمر الكثير منها. كما أُخليت صفد، كبرى مدن القضاء، من سكانها أيضاً.
استهلت القوات الصهيونية عملية يفتاح بهجوم على قرية النبي يوشع، التي كانت تقع في منتصف الطريق بين صفد وآبل القمح. وعندما انسحب البريطانيون من المنطقة المحيطة بالنبي يوشع، في 15 نيسان صار مركز الشرطة في تلك القرية خاضعاً لسيطرة وحدات من جيش الإنقاذ العربي وقوات أُخرى من المجاهدين. وفي 17 نيسان، هاجمت القوات الصهيونية النبي يوشع واستولت عليها وعلى مركز الشرطة، الذي اتخذته مقراً لقيادة العملية. كما صارت مستعمرة دفنه اليهودية مركزاً عسكرياً مهماً؛ فكانت من جملة قواعد انطلاق الغارات التي كانت القوات الصهيونية تقوم بها ضد سورية في تلك الفترة.
لم يخفِ قائد العملية، يغآل ألون، رغبته في طرد السكان من تلك المنطقة. ويقول المؤرخ الإسرائيلي بني موريس إن ألون كتب لاحقاً: "لقد اعتبرنا أن من الضروري تطهير داخل الجليل وإيجاد تواصل بين الأراضي اليهودية عبر منطقة الجليل الأعلى كلها." وقد سُوِّغ ذلك، استناداً إلى موريس، على أسس أمنية: "فتطهير المنطقة [الجليل الشرقي] تطهيراً تاماً من القوات العربية كلها ومن السكان العرب كلهم، هو أبسط وأفضل الطرق لضمان أمن الحدود." وكان ألون أوصى، في تقريره إلى قيادة أركان الهاغاناه بتاريخ 22 نيسان، "بمحاولة إجلاء البدو الضاربين خيمهم بين [نهر] الأردن من جهة، وبين جب يوسف وبحر الجليل من جهة أُخرى." وفي ذلك الوقت كانت عملية يفتاح بدأت فعلاً.
بلغ ألون غاياته بالهجمات الصدامية المباشرة حيناً، وبشنِّ حملة من الحرب النفسية حيناً آخر. فقد ابتكر "حملة شائعات" لتخويف السكان في الجليل الشرقي وحملهم على الفرار: "جمعتُ المخاتير اليهود الذين كانت لهم علاقات بمختلف قرى [المنطقة] العربية" - كتب ألون - و"طلبتُ منهم أن يهمسوا في آذان بعض العرب بأن تعزيزات عملاقة وصلت إلى اليهود في الجليل، وباتوا على وشك تطهير قرى الحولة، [و] بأن ينصحوا لهم، من باب الصداقة، النجاة بأنفسهم ما وسعهم ذلك." وكانت "حملة الشائعات" هذه شُنَّت بين 10 و15 أيار، في سياق عملية يفتاح، وعجّلت في فرار 18% من سكان إصبع الجليل.
كان من أهم أهداف عملية يفتاح الاستيلاء على مدينة صفد، كبرى المراكز الآهلة في المنطقة الشمالية الشرقية من فلسطين. وفي ربيع سنة 1948، مهَّدت القوات الصهيونية للهجوم على صفد، وعلى مدينة أُخرى هي طبرية، بشن غارات كاسحة على القرى المجاورة لهما، فأضعفت هذه الغارات معنويات سكان المدينتين المزمع احتلالهما. وقد اختيرت عكبرة، في أوائل أيار 1948، لتكون عبرة لمن يعتبر من سكان صفد. ففي 9 أيار، وبموجب الأوامر العملانية، هاجمت وحدات من كتيبة البلماح الأولى عكبرة من أجل "بث الشعور بين العرب من سكان صفد بأنهم على وشك أن يطوَّقوا، وبأنه لن يكون في وسعهم الفرار." أمّا الهجوم النهائي على صفد، فقد شُنّ في 10-11 أيار 1948؛ وبسقوط المدينة فرّ سكان قرى عدّة في القضاء نتيجة الذعر، بحسب ما رُوي.
بعد احتلال صفد في 11 أيار 1948، أُمرت الوحدات المشاركة في عملية يفتاح بالتقدم نحو الشمال، وبقطع كل الطرق التي قد تدخل القوات اللبنانية والسورية منها إلى فلسطين قبل 15 أيار. واستناداً إلى "تاريخ الهاغاناه"، فقد تقدمت كتيبة البلماح الأولى إلى قرية قَدَس وجارتها المالكية، ليل 14 - 15 أيار، فوقعت قدس في قبضتها بحلول الصباح. لكن الوحدات اللبنانية اجتازت الحدود، في وقت لاحق من ذلك اليوم، وشنَّت هجوماً مضاداً كبيراً أجبر الكتيبة على الانسحاب من القرية. ومع ذلك، فإن هجوم الوحدات اللبنانية صُدَّ في قدس فلم تتقدم أكثر من ذلك، نظراً إلى ما تكبدته من خسائر جسيمة في أثناء العملية، ونظراً إلى الغارات الإسرائيلية التي شُنَّت على أهداف داخل الأراضي اللبنانية في الوقت نفسه. وبحلول 25 أيار، كانت عملية يفتاح قد انتهت.
مراجع مختارة:
The New York Times. 12 May 1948, 8 June 1948.
Dinur, Ben-Zion, Yehuda Slutski, Sha'ul Avigur, Yitzchaq Ben-Tzvi, and Yisra'el Galili. Sefer Toldot ha-Haganah [The History of the Haganah]. Tel Aviv: Am Oved, 1972, pp. 1580-81, 1596.
Israeli Ministry of Defense.Toldot Milchemet ha-Qomemiyyut [The History of the War of Independence]. Tel Aviv: Marakhot, 1959, pp. 173-76, 184, 325-26.
Morris, Benny. The Birth of the Palestinian Refugee Problem 1947-1949. Cambridge: Cambridge University Press, 1978, p. 75, xiv-xv, 103-4, 120-24, n. 203, 326.
al-Qawuqji, Fawzi. "Memoirs, 1948. Part One." Journal of Palestine Studies I (4): 27-58. "Memoirs, 1948. Part Two." Journal of Palestine Studies II (1): 3-33, 1972, p. 34.